٢٩ - (وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ):
الساق بمعناها الحقيقي والمعنى: والتصقت ساق بساق والتوت عليها عند هلع الموت.
وقال ابن عباس: التفَّتْ شدة فراق الدنيا بشدة إِقبال الآخرة، ونحوه قول عطاء: اجتمع عليها شدة مفارفة المأْلوف من الوطن والأَهل والولد والصديق وشدة القدم على ربه -عز وجل- لا يدري بماذا يقدم عليه، فالساق عبارة عن الشدة وهي مثل في ذلك.
٣٠ - (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ):
أَي: سوق العباد إِلى الله -عز وجل- لا إلى غيره، والكلام على تقدير مضاف هو حكم أَو موعد. والمراد به الجنة والنار، وقيل: سوق هؤُلاء العباد للجزاء مُفَوّض إِلى ربك لا إلى غيره، وقال ابن كثير: (الْمَسَاقُ) المراجع والمآب. وذلك أَن الروح ترفع إِلى السماءِ فيقول الله - عز وجل -: ردوا عبدي إِلى الأَرض فإِني منها خلقتهم وفيها أُعيدهم ومنها أُخرجهم تارة أُخرى. كما ورد في بعض الأَحاديث وكما قال تعالى: "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ" (١) وجواب إِذا في قوله تعالى: (كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي) مضمر دل عليه ما ذكر، أَي كان ما كان أَو انكشفت للمرءِ حقيقة الأَمر، أَو وجد الإِنسان ما عمله من خيرٍ أَو شرٍّ.
٣١ - (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى):
(فَلا صَدَّقَ): أَي: فلا صدق ما يجب تصديقه بما جاءَ به الله -عز وجل- والرسول ﷺ والقرآن الذي أَنزل عليه (وَلا صَلَّى) أَي: ولا صلى ما فرض عليه، أَي: لم يصدق ولم يصل والضمير في الفعلين في قوله تعالى: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) للإِنسان المذكور في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) والجملة عطف على قوله تعالى: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) على ما ذهب إِليه الزمخشري، فالمعنى بناءً على ما علمت من أَن السؤَال في قوله تعالى: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) سؤال استهزاء واستبعاد، واستبعد هذا الإِنسان البعث وأَنكره فلم يأْت بأَصل الدين وهو التصديق بما يجب تصديقه به ولا بأَهم فروعه وهو الصلاة ثم أَكد ذلك بذكر ما يضاده ويخالفه بقوله: (وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّي) وأَثبت له التكذيب.