(ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ): هذا وعيد وزجر لأَهل مكة ومن على شاكلتهم من المشركين والكافرين، أَي: سنفعل بكم مثل هذا النكال، وننزل بكم نظير هذا العذاب إِن بقيتم على ما أَنتم عليه من الشرك والضلال، فهذه هي سنتنا وطريقتنا في عقاب كل من يجرم ويكفر: نأخذه ونهلكه مثل إِهلاكنا من سبق من المجرمين المكذبين، وعلى هذا فالمراد من (الأَوَّلِينَ) كل من كذَّب من الأُمم السابقة، والمراد من (الآخِرِينَ) هم أَهل مكة وأَضرابهم.
وقيل المعنى: إِننا أَهلكنا الأَولين من قوم نوح وعاد وثمود، ثم فعلنا ذلك بالآخرين ممن أَتى بعدهم ونهج نهجهم كقوم شعيب وقوم لوط وقوم موسى، ومثل ذلك الفعل الباطش الشديد والعذاب الأَليم نفعل بكل مجرم عات جبار، وعلى هذا الرأَي الأَخير يكون المقصود من (الأَوَّلِينَ) أَقوامًا سبقوا بالكفر كقوم نوح وغيرهم، بالآخرين أَقوامًا سواهم ممن سلف من المجرمين كقوم شعيب ولوط ومن كان يناظرهم، ويكون قوله تعالى: (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) قد جاءَ إِنذارًا وتخويفًا من عاقبة الكفر وسوء أَثره كي يرتدع وينزجر أَهل الشرك والكفر بعد بعثته ﷺ وإِلاَّ كان مآلهم التدمير والهلاك؛ لأَن الله قد أَهلك من أَهلك لكونهم مجرمين، فهذا الحكم عام في جميع المجرمين؛ لأَن عموم العلة -وهي الإِجرام- يقتضي عموم الحكم وهو العذاب.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أَي: إِن هؤلاءِ وإِن أَهلكوا وعذبوا في الدنيا فلن يكون هذا نهاية هوانهم وعذابهم، فالمصيبة العظمى والطامة الكبري معدة ومهيأَة لهم تنتظرهم يوم القيامة.