٦ - (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ):
أَي: يا أَيها الإِنسان إِنك ساع إِلى ربك سعيًا جادًّا، وعامل عملا شاقَّا صعبًا (فَمُلاقِيهِ)
أَي: فإِنك ستلقى جزاءَ ما عملت من خير أَو شر، ويشهد لذلك ما روي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال جبريلُ: يا محمدُ -عِشْ ما شئت فإِنك مَيِّت، وأَجبِبْ منَ شئتَ فإِنك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإِنكَ ملاقِيه".
ومن الناس من يعيد الضمير وهو الهاء في (فَمُلاقِيهِ) على الرب في قوله تعالى: (رَبَّكَ) أَي: فملاق ربك، ومعناه: فيجازيك على عملك ويكافئك على سعيك.
قال الآلوسي: والمراد بالإِنسان الجنس، كما يؤذن به التقسيم في قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) إِلخ.
وقال مقاتل: المراد به: الأَسود بن هلال المخزومي؛ جادل أَخاه أَبا سلمة في أَمر البعث، فقال أَبا سلمة: والذي خلقك لتركبن الطبقة، ولتوافين العقبة، قال الأَسود: فأَين الأَرض والسماء وما حال الناس؟! وكأَن مقاتلا أَراد أَنها نزلت فيه أَولًا. وقيل: المراد أَبيٌّ ابن خلف؛ كان يكدح في طلب الدنيا وإِيذاء الرسول ﷺ والإِضرار على الكفر.
٧، ٨ - (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا):
أَي: فأَما من أُعْطِي كتاب عمله بيمينه -وهو المؤمن- فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا، والحساب اليسير: السهل الذي لا مناقشة فيه كما قيل، وفسره ﷺ بالْعَرْض، وبالنَّظَر في الكتاب مع التجاوز، فقد أَخرج الشيخان والترمذي وأَبو داود عن عائشة أَن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "ليس أَحدٌ يحاسَبُ إِلاَّ هلَك" قلت: يا رسول الله -جعلني الله فداءَك- أَليس الله تعالى يقول: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)؟! قال: "ذلك العرض، يعرضون، ومَن نوقش الحسابَ هلك".
وأَخرج أَحمد وعبد بن حميد والحاكم وصححه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بعض صلاته: "اللهمَّ حاسِبني حسابًا يَسيرًا" فلما انصرف