التفسير:
٢١ - ٢٤ - (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ):
بدأَت الآيات بقوله تعالى: (فَذَكِّرْ) فالفاءُ لترتيب الأَمر بالتذكير على عدم النظر في مخلوقات الله الدالة على قدرته البالغة، والتي هي نصب أَعينهم أَي: فاقتصر على التذكير، ولا تلح عليهم، ولا تعبأْ بما يقع منهم من إِعراض عن النظر والتفكير، وقوله -سبحانه- (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) تعليل للأَمر بالتذكير وتحديد لذلك الأَمر الذي بعث الله لأَجله رسوله ﷺ وهو تذكير الناس بالأَدلة وبما نسوه من أُمور دينهم، وليس في سلطانه -عليه الصلاة والسلام - أَن يخلق الاعتقاد فيهم، أَو أَن يكون رقيبًا على قلوبهم، لأَنه هاد ومرشد، وليس عليه إِلاَّ البلاغ.
(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) أَي: لست بمتسلط عليهم، تقرهم على ما تريد، وتدفعهم إِليه كقوله تعالى: "وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ" (١).
(إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) أَي: لكن من أَعرض عن الطاعة وجحد الحق المفروض عليه، فإِن الله تعالى الولاية عليه والقهر. (فَيُعَذِّبُهُ الله الْعَذَابَ الْأَكَبَرَ): وهو عذاب الآخرة، فإِنه الأَكبر، وعذاب الدنيا بالنسبة إِليه أَصغر، وقيل: المعنى: لست بمصيطر عليهم إِلاَّ من تولَّى وأَقام على الكفر فإِنك مسلط عليه بما يؤذن لك من جهاده وقتله وسبيه وأَسره، وبعد ذلك يعذبه الله - تعالى - في جهنم. فيكون في الآية وعيد لهم بجهادهم وقتالهم. حيث يقتلون ويؤسرون، ويعذاب جهنم في الآخرة، ويجوز أَن يكون إِيعادًا بالجهاد فقط، على أَن المراد بالعذاب الأَكبر: القتل وسبي النساء والأَولاد، وسائر ما يترتب على الجهاد من البلايا، فيكون فيه إِشارة إِلى أَن هذه الأَمة أَكبر عذابها في الدنيا، لا ما كان في الأُمم السابقة من الخسف والمسخ ونحوهما.

(١) سورة ق، من الآية: ٤٥.


الصفحة التالية
Icon