"وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ" (١) كما قال في حقه -تعظيمًا له-: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وأَمْنًا" (٢) وقد حرام -سبحانه- صيد هذا المكان المبارك، وقطع شجرة، وجعله بإِزاءِ البيت المعمور في السماءِ، إِلى غير ذلك من الفضائل والمزايا التي لا تتأَتى لغيره من الأَمكنة في الأَرض سوي البقعة الطيبة المباركة التي دفن فيها سيدنا رسول الله ﷺ فهي أَفضل مكان في الأَرض وفي السماءِ؛ لأَنها تضم جسده الشريف.
هذا، وفي رحاب مكة المكرمة يكون التلاقي حيث البيت العتيق في ابتداءِ الأَمر أَول بيت وضع للناس، ثم رسالة سيدنا محمد ﷺ تأْتى في النهاية خاتمة للرسالات، فيجمع الله لتلك البقعة المباركة بين عظيم البدءِ وكريم النهاية.
ولَمَّا اجتمعت هذه الفضائل لمكة أَقسم الله بها، وله -سبحانه- أَن يقسم بما شاءَ على ما شاء، قال تعالى: (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) أَي: أُقسم بهذا البلد لشرف مكانته وسموّ منزلته وحرف (لا) هنا لتأْكيد القسم وتقويته، وهذا كثير ومأْلوف في اللغة العربية.
٢ - (وأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ):
هذا وعد من الله لرسوله بأَنه سينزله ويمكنه من البلد الحرام (مكة) ويحلها له فيفتحها ويقاتل بها ويقتل من شاءَ ويترك من شاءَ، وقد جعل الله له ذلك يوم الفتح، فقد أَمر رسول الله ﷺ بقتل عبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة يوم الفتح، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله - تعالى - حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، لَم تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْليِ، وَلَنْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يُخْتَلى خَلاهَا، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا تَحِلُّ لُقْطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ" (٣)، فقال العباس: إِلاَّ الإِذخِر (٤)؛ فإِنها لقيوننا (٥) وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِلاَّ الْإِذْخِر".
(٢) سورة البقرة، من الآية: ١٢٥.
(٣) (يعضد): يقطع: (لا يختلى خلالها) الخلا: الحشيش الرطب، ولا يختلى: ولا يقطع. (اللقطة): هي الشيء الذي تجده ملقى في الطريق فتأخذه (المنشد): هو الذي يُعَرِّفَ اللقطة بأوصافها.
(٤) (الإِذخر): نبت.
(٥) القيون: جمع قين، وهو الحداد.