تُؤْمَرُوا بِهَا"، وأَما الليل فلقوله تعالى: "وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" (١) أَو أَنه أَقسم بالضحى لأَنه الساعة التي كلَّم الله فيها موسى - عليه السلام - وأَلقى فيها السحرة سجَّدًا لقوله تعالى: "وأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" (٢) وأَقسم بالليل لأَنه الوقت الذي أُسري وعرج به ﷺ إِلى بيت المقدس، ثم إلى السموات العلا، فإِلى سدرة المنتهى؛ فاكتسب الضحى والليل تلك الفضيلة، وهذه المزية لكون كل منهما كان وقتًا وظرفًا لحدث عظيم.
٣ - (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى):
هذا جواب القسم، أَي: ما تركك ربك منذ اصطفاك، ولا أَبغضك بعد أن أَحبك واجتباك؛ فأَنت لديه في رفيع المكانة وجليل القدر، وشرف المنزلة التي لا تدانيها منزلة أَحد من الخلق.
وحذف المفعول فلم يرد بلفظ (وما قلاك) لئلا يواجه -عليه الصلاة والسلام- بنسبة القلى والبغض إِليه وإِن كان في كلام منفي وذلك لطفًا به ﷺ وشفقة عليه.
واختلفوا في قدر مدة انقطاع الوحي، فقال ابن عباس: خمسة وعشرون يومًا، وقيل: أَربعون يومًا، أَو اثنا عشر يومًا أَو خمسة عشر يومًا، أَو أَربعة أَيام، قال العلامة الآلوسي -بعد أَن أَتى بهذه الأَقوال: وأَنت تعلم أَن مثل ذلك ممَّا يتفاوت العلم بمبدئه؛ ولا يكاد يعلم على التحقيق إِلاَّ منه -عليه الصلاة والسلام- والله تعالى أَعلم.
كما اختلفوا في سبب احتباس جبريل - عليه السلام -: فذكر بعض المفسرين أَن اليهود سأَلت رسول الله ﷺ عن الروح وذي القرنين وأَصحاب الكهف فقال: "سَأُخْبِرُكُم غَدًا" ولم يقل: "إِن شاء الله"، وقيل: السبب كون جرو (كلب صغير) في بيته، وقيل غير ذلك، ويحتمل أَن فترة الوحي كانت لزيادة تشويق الرسول ﷺ إِلى الوحي

(١) سورة الإِسراء الآية ٧٩.
(٢) سورة طه من الآية ٥٩.


الصفحة التالية
Icon