وجمهور العلماءِ على أَنه -عليه الصلاة والسلام- قد فطر على الإِيمان بالله، وما كان ﷺ على دين قومه لحظة واحدة بدليل قوله تعالى: "مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى" (١)، وأنه كان يتعبد في الغار قبل البعثة على دين إبراهيم.
وقيل: ضل في الطريق وهو مع عمه أَبي طالب في رحلة الشام عندما عدل إِبليس بناقته ﷺ عن الطريق فجاءَ جبريل - عليه السلام - وردّه إِلى القافلة، وقيل ضل عن جده في شعاب مكة فرآه أَبو جهل منصرفا عن أَغنامه فردّه إِلى جده وهو متعلق بأَستار الكعبة يضرع إلى الله تعالى ويقول:
يارب ردَّ ولدي محمدًا | اردده ربّي واصطنع عندي يدا |
أَي: عَلِمَكَ مفتقرًا فأَغناك بما أَفاءَ الله عليك من ربح التجارة في مال السيدة خديجة وبما وهبته - رضي الله عنها- له صلى الله عليه وسلم.
أَو أَغناك بالقناعة، فجعل قلبك راضيًا، أَو أَغناك بالحجج والبراهين.
٩ - (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ):
أَي: لا تقهر بظلمه، ولا تتسلط عليه بأَخذ ماله، بل عليك أَن تدفع إليه حقه، وخص اليتيم لأَنه لا ناصر له غير الله، وفيه أَيضًا تذكير الرسول ﷺ بيتمه ليكون أَكثر رعاية له، ودلت هذه الآية على اللطف والشفقة على اليتيم وبره والإِحسان إِليه، لأَن ذلك يلين القلب ويذهب قسوته وغلظته، فعن أَبي هريرة - رضي الله عنه- أَن رجلا شكا إِلى النبي ﷺ قسوة فقال: "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ فَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيم وأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ" (٢) وفي الصحيح أَن رسول الله ﷺ قال: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ كَهَاتَيْنِ" وأَشار بالسبابة والوسطى.
(١) سورة النجم، الآية: ٢.
(٢) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(٢) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.