التفسير
٦ - ٨ - (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رآهُ اسْتَغْنَى* إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى):
روي أَن هذه الآيات وما بعدها إِلى آخر السورة نزلت في أَبي جهل بعد زمن من نزول ما قبلها، وكان طاغيًا متكبرًا فخورًا بكثرة ماله، مبالغًا في عداوة رسول الله ﷺ وفي الحديث الصحيح: أَن أَبا جهل حلف باللات والعزى لئن أَتى محمدًا ﷺ يصلي، ليطأَن على رقبته، وليعفرن وجهه، فأَتى رسول الله ﷺ وهو يصلي ليفعل، فما فاجأَهم منه إِلاَّ وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: مالك؟ فقال: إِن بيني وبينه خندقًا من نار، وهولًا، وأَجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا، والآيات وإِن نزلت في أَبي جهل إِلاَّ أَن الحكم عام في كل طاغ متكبر، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
والمعنى: ابتدأَت الآيات بكلمة (كَلاَّ) ردعًا وزجرًا لهذا الإِنسان الذي كفر نعمة ربه بطغيانه واستكباره، ووُجِّه إِليه الردع وإِن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه، حيث إِن الآيات من مفتتح السورة إِلى هذا المقطع تدل على أَن الله تفضل على الإِنسان بأَعظم المنن التي كرمه بها، فكان بشرًا سويًّا، وذلك يستدعي الشكر والعرفان، لكنه كما قال سبحانه: "إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى" أَي: ليتجاوز الحد في الطغيان والاستكبار على عبادة الله، واتباع هوى النفس فيما يفعل وما يدع (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) أَي: بالغ في الطغيان لأَنه رأَى نفسه ذا مال وثروة، وبطش قوة (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) تهديد لهذا الإِنسان الطاغي، وتحذير له من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات؛ للتشديد في العقوبة، أَي: إِلى ربك وحده أَيها الإِنسان، لا إِلى غيره -استقلالًا أَم اشتراكًا- المرجع والمصير بالموت والبعث، فيجازيك على أَعمالك التي اقترفتها بما تستحق من تعذيب وتنكيل.
٩، ١٠ - (أَرأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى):
ذكر لبعض آثار الطغيان، ووعيد عليها، وتعجيب منها؛ وتعجيب منها؛ للإِيذان بأَنها من الشناعة والغرابة بمكان بحيث يجب أَن يراها كل من تتأَتى منه الرؤية، ويقضي منها العجب العجاب