التفسير
١ - ٣ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ):
أَي: لم يكن الذين كفروا بمحمد ﷺ من أَهل الكتاب -اليهود والنصارى والمشركين وهم عبدة الأَصنام والنيران من مشركي العرب والعجم، لم يكونوا منتهين ولا مفارقين ما عاهدوا الله عليه من الوعد باتياع الحق والإِيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان، والعزم على إِنجاز هذا الوعد (حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ) أَي: إِلى أَن تأْتيهم الحجة الواضحة، والمراد بها محمد ﷺ أَي: إِنهم جعلوا إتيان البينة ميقاتًا لتنفيذ وعدهم بالإِيمان بالنبي الذي تحدثت عن بعثته كتبهم، وكان مقتضى ذلك أَن يؤمنوا به إِذا بعث فيهم مؤيدًا بالقرآن، ولكنهم افترقوا في أَمره، وجعلوا إِتيانه ميقاتًا للانفكاك والاقتران واختلاف الوعد. فآمن بعضهم بنبوته وأَنكرها بعضهم بغيًا وحسدًا.
وكان أَهل الكتاب يستفتحون على المشركين، ويقولون: اللهم افتح علينا، وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، وذلك لما يجدونه في التوراة والإِنجيل من نعوته وأَمارات بعثه، وكان المشركون يسمعون ذلك منهم فاعتقدوا صحته بما شاهدوا من نصر الله لهم على أَعدائهم، وكانوا يسألون اليهود عن رسول الله ﷺ وهل هو النبي المذكور في كتبهم، وإِيراد الصلة فعلا في قوله تعالى "الَّذِينَ كَفَرُوا" للإِشارة إِلى أَن كفرهم حادث بعد أَنبيائهم بإِلحادهم في صفات الله عز وجل (رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً) بيان للبينة، وأَن المراد منها محمد ﷺ وتنوينه للإِيذان بغاية ظهور أَمره، وأَنه حقيق بالتفخيم والتعظيم، وفي وصفه بأَنه (من الله) تأْكيد لما أَفاده التنوين في (رسول) من الفخامة الذاتية وذلك بالفخامة الإضافية إِلى الله تعالى، أَي: رسول وأَي رسول كائن من الله تعالى يتلو عليهم صفحا من القرآن مما حفظه عند التلقي من جبريل - عليه السلام - منزهة عن الباطل، أَو المراد بتطهيرها: تطهير من يمسها كأَنه قيل: "لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ" (١).

(١) سورة الواقعة، آية ٧٩.


الصفحة التالية
Icon