فحلف أبرهة ليهدمن الكعبة، فخرج ومعه فيل، وكان قويًّا عظيمًا، وقيل: كان معه أكثر من فيل، فلمَّا بلغ (المُغَمّس) وهو موضع في طريق الطائف بالقرب من مكة خرج عليه عبد المطلب وعرض عليه ثالث أموال تهامة ليرجع فأبى، وعبَّأَ جيشه وقَدَّم الفيل، وكانوا كلما وجهوه إلى الحرام برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن أَو غيرها من الجهات هرول، فأَرسل الله طيرًا سودًا، وقيل خضرًا، وقيل بيضًا، مع كل طائر حجر في منقاره، وحجران في رجليه، فكان الحجر يقع على رأْس الرجل فيخرج من دبره، ففروا فهلكوا في كل طريق ومنهل، ومرض أَبرهة فتساقطت أَناملة وأعضاؤه، وما مات حتى انصدع صدره.
والمعنى: إنك رأَيت آثار فِعْلِ الله بأَهل الحبشة الذين قصدوا هدم البيت، وسمعت الأخبار به متواترة، ققامت لك مقام المشاهدة.
قال الآلوسي: وتعليق الرؤية بكيفية فعل الله سبحانه وتعالى لا بفعله بأَن يقال: أَلم تر ما فعل ربك... إلخ؛ لتهويل الحادثة والإِيذان بوقوعها على كيفية خارقة وهيئة عجبية دالة على عظم قدرة الله تعالى، وكمال علمه وحكمته، وشرف رسوله ﷺ فإِن ذلك -كما قال غير واحد- كان من الإِرهاصات، بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، قال إبراهيم ابن المنذر شيخ البخاري: لا يشك في ذلك أحد من العلماءِ وعليه أَكثرهم، وعن عكرمة: أَن من أَصابته الحجارة جَدَرَتْهُ، هو أَول جُدَريٍّ ظهر، أي: بأَرض العرب، فعن يعقوب ابن عتبة أنه حدَّث أَنه أَول ما رؤيت الحصبة والجدري كان بأَرض العرب في ذلك العام.
٢ - (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ):
بيان إجمالي لما فعل الله بهم، والهمزة للتقرير، كأَنه قيل: قد جعل الله كيدهم في هدم الكعبة وتخريبها في تضييع وإِبطال؛ بأَن دَمَّرهم أَشنع تدمير، وأَهلكهم على أَفظع صورة، فضيع تدبيرهم وخيب سعيهم، ولم ينالوا قصدهم، ثم فصَّل تدبيره في إِبطال كيد أُولئك القوم فقال: