وهذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى؛ إِنما حرمت لأَن فيها إضرارا بالصحة أَو العقيدة.
(وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ):
كانوا يستقسمون بالأَزلام، أَي يطلبون معرفة ما لهم وما قدر عليهم، عن طريق الأَزلام.
والأَزلام: قطع من الخشب على هيئة السهام. وتسمى القداح. وهي ثلاثة: مكتوب على أَحدهما: أَمرنى ربي. وعلى الآخر: نهاني ربي. والثالث غفل من الكتابة. وكانوا في الجاهلية إِذا أَراد أَحدهم سفرا أَو غزوا. أَو زواجا أَو بيعا أَو نحو ذلك، أَتى إِلى بيت الأَصنام أَربابهم؛ ليطلب معرفة ما قسم له من هذا الذي أراده: أَيُقْدِم عليه؟ أَم يُحجِم عنه؟ فيحرك هذه الأَزلام، فإِن خرج الذي عليه، أَمرني ربي: أَقدم على الفعل. وإِن خرج الذي عليه، نهاني ربي: أَمسك وإِن خرج الثالث وهو الغفل: أَعاد ثانيا حتى يخرج الآمر أَو الناهي.
وهذا من الخرافات والأَوهام. التي لا يقدم عليها إِلا من سيطر على عقله الجهل. وجعل نفسه ألعوبة في أَيدي الكهان. ومن يدعون معرفة الغيب.
والإِسلام بريء من كل ذلك فطلب معرفة الْحَظِّ - عن طريق التنجيم وضرب الرمل والودع، وفنجان القهوة وما شابه ذلك - من الأُمور التي لم يشرعها الله.
وإِنما حرم الاستقسام، ومعرفة النصيب على هذا الوجه وما شابهه؛ لأَن خروج ورقة أَو نحوها؛ عليها: أَمرني ربي. أَو: نهاني ربي - رجمٌ بالغيب، وتَقَوُّلٌ على الله تعالى؛ لأَنه لا يمكن تعرُّف أَمر الله أَو نهيه بمثل هذا الطريق؛ لأَن الله لم يعط هذه الكائنات - أَو غيرها - معرفة قَدَرِه الذي استأثر بعلمه. قال تعالى: "... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (١). فكيف نطلب العلم عن طريقها وفاقد الشيء لا يعطيه؟