﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾:
هذا نهي للأولياء والأوصياء، عن أكل أموال اليتامى: مسرفين في الإنفاق منها، ومتعجلين أكلها، مخافة أن يكبروا فينتزعوها من أيديهم. فإن الكثير من الأولياء، يستعجل بعض التصرفات التي يكون لهم فيها منفعة، حتى لا تفوتهم إذا كبر اليتيم وتسلَّم ماله.
﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾:
نهى الله الأولياء - في الجملة السابقة - عن أكل مال اليتامى مسرفين ومبادرين كبرهم، حتى يظفروا بما يريدون.
وفي هذه الجملة من الآية، يرشد الأولياء، إلى أن من كان منهم ذا مال ويسار، فليكف نفسه عن الأكل من أموال اليتيم التي تحت يده، وليبالغ في إعفاف نفسه وإِبعادها عنه. فلا يأكل منه شيئًا. ومن كان منهم فقيرا فليأخذ من مال اليتيم، بقدر حاجته من سد الجوعة وستر العورة... لا يزيد عن ذلك.
ومن هذا يتبين جواز انتفاع الوصي والولي بقدر حاجته، من غير إسراف. أما إذا أسرف، فإنه يكون ظالما. وفاعله يدخل تحت مَنْ قال الله فيهم، في هذه السورة بعد ثلاث آيات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ (١).
وقد روى الإمام أحمد والنسائي، وأبو داود، عن ابن عمر: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ليس لي مال. وإني وليٌّ يتيم. أفآكل من ماله؟ فقال: "كُلْ مِنْ مَالِ يتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ، وَلَا مُتأثِّلٍ مَالًا (٢): وَمِنْ غَيْرِ أنْ تَقِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ".
وإِلى هذا الظاهر، ذهب عطاء وقتادة، وهو أحد الروايات عن ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير، ومجاهد والزهري، وآخرون: ما يأخذه الفقير - بقدر حاجته - يكون قرضا. وعليه أن يرده إذا أيسر.
(٢) تأثل المال: اكتسابه.