التفسير
٥٠ - (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك... ) الآية.
قل أَيها الرسول، لمن يقترحون عليك غير ما جئت به من الآيات: أنا لا أدَّعي أن عندي خزائن مقدورات الله أتصرف فيها كما أَشاءُ استقلالا أَو استدعاءً من الله، حتى تطلبوا منى أَن أقلب الجبال ذهبا وأَن أفجر الينابيع من الأرض، لتزرعوا على مياهها صحراءَكم، إلى غير ذلك من اقتراحاتكم - فذلك من شأن الله الذي لا يتحكم عليه أحد، فيقترح عليه من الآيات ما لا تبدوا حكمة في تحقيقه. وكذلك لا أَدعى علم الغيب، حتى تطالبوني بإِخباركم بوقت نزول العذاب بكم بقولكم: "... متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" (١).
ولا أَقول لكم إني مَلَكٌ حتى تطالبوني بأَن أَرْقَى في السماء كما هو شأن الملائكة، أو تَعُدُّوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحا في نُبُوَّتِي، فإنكم قلتم: ".. ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق... " (٢) وما أنا إلا نبي: أَتبع ما أوحاه رَبَّي إلىَّ. فلا تطلبوا مني ما ليس من شأني.
(قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون):
قل لهم أيها الرسول: لا يمكن أن يستوي الضال الشبيه بالأَعمى - في عدم تبين الحقائق - بالمهتدى الشبيه بالمبصر في استجلاءِ الأُمور... أتسمعون هذا التذكير فلا تتفكرون فيه؟!
واعلم أنه ليس من الحكمة أن يجاب المتعنتون إلى ما سأَلوا، فإنهم لا يؤمنون، ولو جاءَتهم كل آية. قال تعالى: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" (٣).
فضلا عن أنهم - إن لم يؤمنوا بما طلبوه بعد مجيئه، حق عليهم الهلاك، كما حدث لمن قبلهم. كقوم صالح.
ولا يقتضي تمييز الملائكة بقدرتهم على الرقى في السماء كلما أَرادوا، أو تمييزهم بأَنهم لا يأكلون، ولا يشربون: أن يكونوا أفضلَ من الأنبياءِ، كما زعم الجبائي، فالمزية لا تقتضى الأفضلية، وإلا لكان بعضُ الحيوان أفضلَ من الإنسان، بما تميز به عليه، كالنحل
(٢) الفرقان، من الآية: ٧
(٣) يونس، الآيتان: ٩٧، ٩٦