المفردات:
(بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىَّ): أي بأَول النَّهارِ وآخِرِه.
(يُرِيدُونَ وَجْهَهُ): يريدون ذاته.
(فَتَنَّا): ابتَلَيْنَا.
التفسير
٥٢ - (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه... ) الآية.
لَمَّا أَمر الله رسوله في الآية السابقة - بإنذار من يَخْشَوْنَ أن يُحشَروا إلى ربهم، ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع، سواءٌ أكانوا مشركين أَم أَهل كتاب - نهاه سبحانه وتعالى - عن أن يكون إِنذارهم سببا في طرد المؤمنين الضعفاء - من مجلسه عليه السلام - طمعا في إيمان هؤلاء.
وسبب نزول هذه الآية - على ما رواه الإمام أحمد وغيره: أن رؤساءَ المشركين. قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو طردتَ هؤلاء وأرواح (١) جبابهم، جلسنا إليك وحادثناك: يعنون فقراء المسلمين كعمار، وصهيب، وخبَّاب، وسلمان، وأضرابهم. رضي الله عنهم - فقال صلى الله عليه وسلم: "مَا أنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ" فقالوا: فأقمهم عنا إذا جئنا. فإذا قمنا فأقعدهم معك، إن شئت. فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم" طَمَعًا في إيمانهم، فنزلت.
والمعنى: ولا تُبْعِد عن مجلسك ضعفاء المؤمنين: الذين يَدعون ربهم ويعبدونه دائمًا. مخلصين. فلا يشركون في ذلك شركًا: جليا ولا خفيا. بل يريدون وجْهَهُ وذاتَهُ وحده. ليس عليك أيها الرسول من حساب أُولئك المشركين - إذا استمروا على شركهم ومعاصيهم - من شيء. فالحساب على ذلك خاص بهم، لا يتجاوزهم إليك. فلا يحملنَّك الحرص على إيمانهم: أن يبْعَدَ الفقراءُ عن مجلسك معهم، استجابة لرغبتهم. فكما أنه ليس على المشركين من حسابك على عملك شيء، فكذلك ما عليك من حسابهم على عملهم من شيء.

(١) أرواح جمع ريح بمعنى رائحة. قال صاحب القاموس: والراح يجمع على أرواح. ثم ذكر ضمن معانيه، الرائحة. وكان هؤلاء الفقراء يلبسون جبابا تفوح منها روائح، تؤذى المشركين، لأنهم لم يجدوا بديلا عنها حتى يغسلوها، فكانوا يلبسونها دائما، فتفوح منها روائح العرق المتراكم، فلذا طلب المشركون إبعادهم عن المجلس إذا جلسوا مع الرسول. استعلاء وتكبرا.


الصفحة التالية
Icon