﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾:
أي: ليس من شأْنى ولا في حكمى هذا العذاب الذي تتعجلونه، وتتخذون من تأَخره ذريعة لتكذيب القرآن والصَّدِّ عن الإِسلام. فما الحكم - في شأْنه - تعجيلا وتأْجيلا، وفي جميع الشئون - إِلا لله تعالى على مقتضى الحِكمة في حُكمه وقضائه. وهو خير الفاصلين في قضايا خلقه. وهو يرى الحكمة في إمهالكم فأَمهلكم.
ثم أَمره أَن يقول لهم:
٥٨ - ﴿قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾:
قل لهم: لو كان أَمر عذابكم مفوضا إِلىَّ من الله تعالى، لطلبت من رِّبى أَن يعجل به، غضبا لأَجله بسبب كفركم به، ولَقُضِىَ الأمر بيني وبينكم، بإِنزال هذا العذاب بكم، والتخلص من شرككم وكفركم. والله أَعلم بكم أَيها الظالمون، وبما ينبغي لكم من الإِمهال، استدراجًا لكم لتشديد عذابكم إن بقيتم على ظلمكم وشرككم. ولكونه تعالى أَعلم بما ينبغي لكم، لم يفوض أمر عذابكم إلىَّ حتى أَعَجله لكم. ولمَّا أَتَمَّ الله بيان اختصاص القدورات الغيبية به تعالى - من جهة القدرة - أَتبعه بيان اختصاصها به - كذلك - من جهة العلم، فقال سبحانه في ضمن ما أَمر به رسوله أَن يبلغه لقومه:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)﴾.
المفردات:
(مَفَاتِحُ): جمع مِفْتَح أَو مِفتاح - بكسر الميم فيهما، وهو أداة الفتح. والمراد بمفاتح الغيب: أَسباب علمه. ويجوز أَن تكون جمع مَفتح - بفتح اليم - وهو