بقولهم: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ وردًّا على طلبهم له بأسلوب آخر كقولهم: ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (١) وقولهم له: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾ (٢).
وجاءَت هذه الآية، للإِشارة إِلى أَن إِمهال الله - تعالى - لهم ليس لغفلةٍ عن كفرهم، فإِنه محيط بكل أمورهم. ولكن ليُقضَى أَجلٌ مسمى يرجعون بعده إِليه تعالى. فيعذبهم.
والمعنى: قل أَيها الرسول، لقومك الذين يستعجلونك بالعذاب: الله الذي توعَّدكم به، هو الذي ينجيكم بالليل، فيجعلكم - بالنوم - لا تكادون تحسون ولا تميزون، كَأَنما قبض أَرواحَكم فعلا.
وهو يعلم ما كسبتم بالنهار، من أَلوان الكفر والمعاصي ويحصيه عليكم ثم إِنه يوقظكم بالنهار - مع علمه بما تكسبون فيه من الآثام - لينتهى أَجل سمَّاه تعالى - لكل واحد منكم، فلا تدفعه معاصيكم إِلى تعجيل العذاب بكم... ثم إِليه - وحده - رجوعكم بالبعث والحشر. ثم يخبركم بما كنتم تعملون من السيئات، ويجازيكم عليها.
وتخصيص الليل بالإِنامة، والكسب بالنهار؛ لأَنه الغالب من عادات الناس.
وقد أَشار الله بالبعث بعد النوم الذي يتكرر كل يوم، إلى إِمكان البعث بعد الموت الذي أَنكره المشركون، وأَنكروا العذاب بعده. إِذ أَنه - تعالى - إِذا كان يبعث كل نائمٍ بعد أَن كان كالأَموات بلا حِسٍّ ولا تمييز، فإِنه - بلا شك - قادر على بعثهم بعد الموت.
٦١ - ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾:
أَي: وهو الغالب على عباده، المتصوف فيهم، إِيجادا وإِعداما، وإِحياءً وإِماتة، وتعذيبا وتنعيما. إلى غير ذلك من شئون القهر والسلطان: لا يشركه فيها شريك، ولا يرده عن مراده فيهم أَحد، ويرسل عليكم - أَيها المكلفون - حفظةً من الملائكة طول حياتكم: يُسَجِّلُونَ
(٢) الإسراء، من الآية: ٩٢