وفي الآية دليل على تحريم الفرار من الزحف على غير المتحرف لقتال أَو المتحيز إِلى فئة - أَخرج الشيخان وغيرهما عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - أَنه قاله: "اجْتَنِبُوا السَّبعَ الموبقَاتِ، قالوا يا رسول الله وما هنَّ؟ قال: "الشِّرْكُ بالله، والسِّحْرُ، وقتلُ النفسَ الَّتي حرَّم اللهُ تَعَالَى إِلَّا بالحقِّ، وَأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، والتولىّ يومَ الزَّحفِ، وقذفُ المحصَناتِ الغافِلَاتِ المؤمِناتِ".
واعلم أَن أَكثر أَهل العلم ذهبوا إِلى أَن حرمة الفرار إذا لم يكن العدو أَكثر من الضعف، لقوله تعالى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (١) وأَخرج الشافعى وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنه قال: من فر من ثلاثة فلم يفر، ومن فر من اثنين فَقَدْ فَرَّ.
وعن محمَّد بن الحسن: أَن المسلمين إذا كانوا اثنى عشر أَلفا لم يجز الفرار أصلا لحديث ورد في ذلك (٢).
والظاهر أَن الأمر متروك لقائد المعركة الأَمين الشجاع، فإِن رأَى الثبات أمام العدو: ثبت، وإِن رأَى غير ذلك: انسحب بجيشه حتى تتاح فرصة الاستعداد القَوِىِّ للقاء العدو، لئلا يلقى بجنود الله إلى التهلكة في معركة غير متكافئة بسبب كثرة العدد، أَو قوة الأَسلحة وفتكها الذريع.
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٨)﴾.

(١) سورة الأنفال الآية: ٦٦
(٢) جاء في هذا الحديث قوله - ﷺ -: "وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يؤتى اثنا عشر ألفا من قلة" وأحد رواة هذا الحديث أبو سلمة العاملى، وهو متروك الحديث.


الصفحة التالية
Icon