واعلم أن أصل السموات والأرض الدخان، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (١). وقال جل وعلا في سورة الأنبياء: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ (٢).
ويقول أهل العلمِ الحديثِ: إن أصل العالم غاز الهيدروجبن، وهم بذلك يهتدون إِلى ما سبقهم به القرآن العظيم بأكثر من ألف عام، وتحويلُ هذا الدخان إلى سموات وأرضين، استغرق ستة أَيام كما نصت عليه الآية الكريمة، ولا يصح حمل الأيام هنا على أيامنا في أرضنا، فإنها نشأت بعد خلق السموات والأَرض، وأيامنا على قدر حجم أَرضنا، والأيام في الكواكب الأُخرى على قدر حجمها صغرا أو كبرا.
أَما الأيام التي استغرقها خلق السموات والأرض، فهى بقدر عظمة هذا الكون وما يقتضيه من زمان طويل جدًا، حتى يتم تحويل الغاز أَو الدخان إِلى سموات وأَرضين، كما تقتضيه سنة التطوير التي شاءَها الله تعالى، مع أَنه قادر على أَن يقول لها كونى فتكون فورا.
ولقد ضرب الله مثلا لأَيامه بقوله سبحانه: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ (٣).
وبقوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (٤). وذلك يقتضي أن أيام الله ليس لها حد معين وأنها تكون في طولها وامتدادها حسب الأمر الذي تتصل به، وفي موضوع تكوين السموات والأرض قد تكون الأيام أطول من هذين المثلين وربما وصل اليوم فيها إِلى ملايين السنين، وليس من الحكمة تحديد مدى أَيام الله تعالى فذلك شأْنه تعالى، ولا سبيل لنا إِلي علمه، وعلى هذا يكون معنى الجملة من الآية ما يلى:
وهو الذي خلق السموات والأرض مادة وصورة، وهيأَ لها كل ما خلقت لأَجله من العناصر والوظائف والمواضع في هذا الفضاء الرهيب، ووصل بينها بالقوى التي تربط بعضها ببعض من غير عمد ترونها، وكان ذلك كله في سته أيام من أيامه تعالى، حتى تمت على أَجمل صورة وأكمل إبداع، وأقوى بناء، فلا ترى فيها من عيب ولا فطور وشقوق. وصدق الله إِذ يقول: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ
(٢) سورة الأنبياء، من الآية: ٣٠
(٣) سورة الحج، من الآية: ٤٧
(٤) سورة المعارج، من الآية: ٣