فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (١).
﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾: دلت هذه الجملة على أن عرشه تعالى كان على الماءِ قبل خلق السموات والأرض، فكأَنه قيل: وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام في حال كون عرشه تعالى على الماءِ، ويدل صراحة لهذا المعنى، ما جاءَ في كتاب بدء الخلق بصحيح البخاري من حديث عمران بن حصين عن رسول الله ﷺ قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيءٍ وخلق السموات والأرض".
فهذا الحديث يدل على أَنه تعالى أزلى لا أَول له، وأَنه لم يكن يشاركه شىءٌ غيره في الوجود وأَنه سبحانه كان عرشه على الماء وأنه كتب كل شيء قبل خلق السموات والأَرض، وأنه خلق السموات والأرض بعد ذلك، ومن هذا كله يعلم أن الماءَ مخلوق قبل خلق السموات والأرض، فهو أَصل خلقهما ومادته وأَصل كل شيء حى ويدل لذلك صراحة قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (٢). قال الشيخ رشيد رضا في شرح قوله تعالى: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾: نفهم منه أن الذي كان دون هذا العرش من مادة هذا الخلق قبل تكوين السموات والأَرض أو في أَثنائه هو هذا الماءُ الذي أخبرنا عز وجل أَنه جعله أصلا لخلق جميع الأحياءِ، إِذ قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾. والرؤية هنا علمية.
والمعنى: ألم يعلموا ما ينبغي أَن يعلموه من أَن السموات والأرض كانتا مادة واحدة لا فتق فيها ولا انفصال - وهى ما يسمى في عرف علماءِ الفلك بالسديم، وبلغة القرآن بالدخان - ففتقناهما بفصل بعضهما من بعض، فكان منها ما هو سماء، ومنها ما هو أرض، وجعلنا من الماء في المقابلة لحياة الأحياء كلّ شىءٍ حىّ. اهـ
(٢) سورة الأنبياء، من الآية: ٣٠