٦ - ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ... ﴾:
المراد بالتشبيه في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ بيان المماثلة بين الصورة المرئية في عالم المثال - وهى التي حدثت في المنام - وبين الذي سيقع في عالم الشهادة والواقع.
والمعنى: ومثل هذا الاجتباء والاصطفاء العظيم الذي شاهدته في عالم المثال والنوم، حيث بدا لك يا يوسف أنه تعالى سخر لك تلك النيرات العلوية فخضعت لك، مثل هذا الاجتباء وعلى سنته يسخر لك الله وجوه الناس ونواصيهم - ومنهم أَهلك - مذعنين لطاعتك خاضعين لك على وجه الاستكانة، ويصطفيك ربك لجنابه على أشراف الخلائق وسراة الناس قاطبة. فيجعلك رسولًا وملكا على عرش مصر دون سواك، ويبرز مصداق تلك الرؤيا في عالم الشهادة والواقع، حسبما عاينته مناما من غير قصور.
﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾:
المراد من تأويل الأحاديث تعبير الرؤى، فإن الرؤى أحاديث الملك إِن كانت صادقة واضحة، أو أحاديث النفس أو الشيطان إن كانت غير ذلك.
وكما بشر يعقوب ابنه يوسف عليهما السلام - بأنه تعالى سيصطفيه للرسالة والملك، بشره أيضا بأنه سبحانه سيعلمه من تأويل الأحلام، مشيرا بذلك إلى السببيل الذي سيسلكه حتى يصل إلى العز الدنيوى المدخر له، فإنه وصل إليه عن طريق تعبير الرؤيا لصاحبي السجن، ثم رؤيا الملك، وهذا العز الذي سيؤول أَمر رؤياه إليه، هو بعض ما عبر عنه بإتمام النعمة في قوله تعالى:
﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ﴾:
فإنه شامل لعز النبوة والملك، والمراد من آل يعقوب بنوه، وحفدته، وإتمام النعمة بهذه الرؤيا على آل يعقوب لأنها مؤذنة بأنهم سيكونون كواكب يهتدى بأَنوارهم، حيث خرج من ذريتهم الأنبياءُ كما أَنهم سوف ينالون من عز يوسف وجاهه وماله حيث سجدوا له وخضعوا لسلطانه، وكل ذلك سيحدث ويتم به الله نعمته عليك يا يوسف وعلى آل يعقوب.
﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾: