فالإيحاء هنا على رأيه هو إنزال الملك إليه بالوحي. ومن قال إن الإيحاء حينئذ كان إلهاما أو نحوه، فسر الحكم بالنبوة، العلم بعلم الدين، وإلى هذا ذهب ابن عباس حيث قال: الحكم النبوة، والعلم الشريعة.
ومنهم من فسر الحكم بالحكمة، وهي حبس النفس عن هواها، وصونها عما لا ينبغي، وفسر العلم بالعلم النظري، ومنهم من فسر الحكمة والعلم بالحكم بين الناس وعلم مصالحهم وشئونهم، فإن الناس كانوا إذا تحاكموا إلى العزيز، أمره أن يحكم بينهم، لما رأى من عقله وإصابته في الرأى. ويقتضيها هذا الخلاف، أن نفسر الآية الكريمة تفسيرًا يتفق مع ما سبق وما يليها، حيث يناسب المقام والمناخ الذي سيقت له، ولا يمنع من قبول أي رأي من هذه الآراء فنقول:
ولما بلغ يوسف منتهى قواه الجسدية والعقلية، وأصبح أهلا لتحمل أعباء الحياة والحكم بين الناس في قضاياهم المختلفة، وتوجيههم إلى الخير والبر والهدى، آتيناه حكمة في القول، وإصابة في الحكم وعلمًا غزيرًا، وبصرًا بالأمور، ومثل ذلك الجزاء الجميل، نجزي كل من يحسن في عمله.
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)﴾
المفردات:
﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾: المراودة؛ الرفق في الطلب، يقال في الرجل راودها عن نفسها، وفي المرأة، راودته عن نفسه.