ونسب هذا القول إلى الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد والسدى.
قال السدى: كان ابن عمها، وروى عن ابن عباس وهو الصحيح في الباب والله أعلم اهـ. ذكره القرطبي.
وقال أبو جعفر النحاس: والأشبه بالمعنى - والله أعلم - أن يكون رجلا عاقلا حكيما شاوره فجاء بهذه الدلالة، ولو كان طفلا لكانت شهادته ليوسف - ﷺ - تغني عن أن يأتي بدليل من العادة، لأن كلام الطفل آية معجزة فكانت أوضح من الاستدلال بالعادة.
ونحن نرى أن الذي قاله أَبو جعفر النحاس هو الأجدر بالقبول فكلام الشاهد كلام رجل حكيم ذى بصر بالأمور، وليس في النص الكريم ما يدل على أنه طفل، بل يوجد في صحيح السنة ما يفيد حصر المتكلمين في المهد في ثلاثة، وليس فيهم شاهد يوسف، فقد جاء في الصحيحين عن أَبي هريرة رضى الله عنه. أَن النبي ﷺ قال: "لَم يَتكَلَّم فىِ المهدِ إلا ثَلاَثَة: عيسَى بنُ مَرْيمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْج، وَصَبيُّ كَانَ يَرْضَعُ مِنْ أمّهِ، فمَرَّ رَاكِبٌ كَاَن حَسَنَ الهَيْئَةِ، فَقَالَتْ أمه: اللهم اجْعَل ابْنىِ مِثْل هَذَا، فَتَرَكَ الصَّبىُّ الثدْىَ وَقَال: اللهُمَّ لاَ تَجْعَلنى مِثْلَهُ".
وقد اعتبر الطيبي هذا الحديث يرد الحديث السابق المروى عن أحمد، انظر الآلوسي ج ١٢ والقرطبي ج ٩ والله أعلم.
ويلاحظ أن هذا الكلام من القريب لا يعتبر شهادة، لأنه لم ير شيئا مما حدث، ولكنه لما كان يرشد إلى دليل الحكم، أطلق عليه شهادة مجازا، لأَنه يشبهها في التوصيل إلى الحكم الصحيح.
والمعنى: وأرشد مرشد حكيم من أهل امرأَة العزيز إِلى دليل الحكم، بعد ما علم باتهامها ليوسف، وبما قاله يوسف دفاعا عن نفسه، وقد اشتبه الأمر واحتاج إلى مرجح فقال: إن كان قميص يوسف شق من قدامه، فقد صدقت في دعواها أَنه أراد بها سوءا فهو قرينة على أنه بادرها بالاعتداء، فنازعته وأخذت بتلابيبه من قدامه، وجعلا يتصارعان وهي ممسكة