سيده الذي اشتراه ورباه وأَحسن مثواه ليثير بذلك وازع الأمانة في نفسها نحو زوجها، فلعله يستيقظ من سُباته فيكُفها عنه، ولكنها أصرت، فذهب إِلى الأبواب ليفتحها ويهرب منها، فهمت به تمنعه وتجذبه إليها، وهمَّ بها يدفعها عن نفسه ويحاول أن يضربها لولا أن راى في نفسه حُجة ربّه وإلهامه إياه أَنه لو ضربها لاستخدمت هذا الضرب حجة لها على أنه هو الذي راودها عن نفسها، ولما امتنعت ضربها، فكف عن ضربها، وتمت عصمة الله له، وعند الباب الخارجى بوغتا معا بالعزيز فتتهمه المرأة بأَنه أراد بها سوءًا، ويكذبها قميصه الذي قُدَّ من دُبُرٍ، ويقتنع العزيز ببراءَته ويوصيه بأن يعرض عن هذا الأمر فلا يذيعه في الناس، ولكن نساءَ القصور يجدن دائما من يتطوع بإِذاعة أَخبارهن، وهكذا كان الأمر بالنسبة لامرأة العزيز مع يوسف فلما تسرب أمرها مع يوسف إلى نساء الأمراء وعبن عليها ما فعلته مع غلامها الذي ترفع عليها وقاومها، أرادت أَن تقطع ألسنتهن عن غيبتها والتشهير بها، بإيقاعهن في شرك هواه والافتتان به مثلها، فأعدت لهن مأدبة يُستعمل في طعامها السكاكين، وبينما هن يأكلن والسكاكين في أيديهن يقطعن بها الطعام، أخرجت يوسف عليهن ففوجئن بجماله الفتان فجرحن أيديهن بالسكاكين من شدة الذهول الذي أَصابهن عن جماله وقلن إعجابا به: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾.
وكأنهن بهذه العبارة يقلن لها أنت معذورة فيما فعلت معه لروعة جماله وقوة تأثيره على النساء.
فلما ظفرت منهن بهذا الإِقرار الذي يحمل معه الاعتراف بأنها معذورة فيما صنعت، أجترأت على المصارحة بما لم تصرح به من قبل، فقالت:
﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾:
وبذلك التصريح كذبت نفسها فيما قالته لزوجها من أنه أراد بها سوءا، واعترفت بأنها هي التي راودته وأنه هو الذي امتنع أشد الامتناع وجاهد في سبيل التخلص منها