بدا لهم من بعد ذلك أَن يسجنوا يوسف - عليه السلام - حتى زمن تنقطع فيه الإشاعة ويبدو للناس من سجنه أَنه هو الذي أرادها بسوء فلهذا عوقب، وليكون وجوده في السجن حائلا بينها وبينه حتى لا تعود إِلى مراودته.
تنبيه: لو أكره رجل على الزنى بالسجن فعليه الامتناع ولو سجن، فإن فعل فهو آثم بالإِجماع: انظر القرطبي في تفسير الآية.
٣٦ - ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾:
يطلق الفتى على الشاب، من الفتاء وهو الشباب، ويطلق أيضًا على العبد صغيرًا كان أو كبيرًا كما قاله الماوردى.
وكان الفتيان اللذان دخلا السجن بصحبة يوسف عبدين للعزيز، أحدهما ساقيه، والآخر صاحب طعامه وقيل: خبازه، وروى بشأنهما روايات لا سند لها فلذا ضربنا صفحا عنها والمعنى: ودخل السجن مع يوسف فتيان من عبيد الملك ورأَى كل منهما في نومه حلمًا أَحس بحاجته إِلى تأويله لتستريح نفسه، فإن السجين كثير الخوف من المستقبل محتاج إِلى الطمأنينة وقد اعتاد البشر من قديم على الاستعانة بالأحلام للكشف بها عن المجهول، وإذا لم يستطع الحالم تأويل حلمه لجأ إلى من يحسنه ويشتهر بذلك، وكان يوسف - عليه السلام - يخبر السجناء ببعض الغيوب - كما سيأتي بيانه - فلهذا أخبراه بحلميهما، قال أَحدهما: إِني أَرى في منامي أنني أعصر عنبًا ليتحول إلى خمر بعد حينٍ، وقال الآخر: إني أرى في منامي أَننى أحمل فوق رأسى خبزًا تنقره الطير وتأكل منه، ثم قالا له بعد أَن عرضا عليه حلميهما.
﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾:
أي أخبر كُلا منا بتأويل حلمه الذي عرضه عليك مفصلا: إِنا نراك من الذين يحسنون تفسير الأحلام، حيث إنك تعودت أَن نفسر للسجناء أحلامهم قبل أن نرى حلمنا.
وتأويل الإحسان بذلك هو الأقرب إلى المقام، حيث عرضا حلميهما عليه، لأنهما جربا خبرته مع غيرهم في تأويلها إِلى درجة الإحسان.


الصفحة التالية
Icon