عليهما السلام، ويكفر النصارى بمحمد صلى الله عليه وسِلم، ويقطعون أَيضا ما أَمر الله بوصله من حقوق الأَرحام ومحبة المؤْمنين وموالاتهم وغير ذلك مما تقدم بيانه في صفات أَهل الوفاءِ من الصبر والصلاة والإِنفاق في وجوه البر، ودرءِ السيئة بالحسنة ويضيفون إِلى قطعهم ما أَمر الله به أَن يوصل أَنهم يفسدون في الأَرض بالظلم وإِثارة الفتن، فهؤُلاءِ الموصوفون بتلك الِصفات السيئة لهم بسبب ذلك الطرد من رحمة الله، ولهم الدار السيئة التي جعلها الله مقرَّا لهم، وهي جهنم وبئست دارًا ومقرَّا.
٢٦ - (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ... ) الآية.
نزلت هذه الآية في أَهل مكة كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما -نقول: وكأَنها نزلت لتنعى عليهم فرحهم بالحياة الدنيا مع أَنها إِلى زوال، وليبين أَن سعة الرزق على الكافر ليست لإِكرامه، وتضييقه على المؤمن ليس لإِهانته، فكلا الأَمرين صادر من الله تعالى لحكم إِلهية يعلمها سبحانه، فقد يوسع على الكافر إِملاءً واستدراجا، فلا وجه لفرحه، وقد يضيق على المؤْمن زيادة في أَجَره، والآية دستور عام. وإِن نزلت بسبب خاص.
والمعنى: الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يوسع الرزق على من يشاء من عباده، ويضيق الرزق على من يشاءُ، دون أَن يجعل الأَول برهانا على الرضا، ولا أَن يجعل الثاني أَمارة على المقت والغضب، فكلاهما يخضع لمشيئته، وحقُّ لربوبتيه لعباده، وهو أَعلم بحكمته، فلا يسأَل عما يفعل ولا يفترى عليه بالأَسباب والعلل، وقد فرح أَهلُ مكة وَمَنْ على شاكلتهم بما أُوتوا من نعيم الحياة الدنيا وسعة الرزق فيها فركنوا إِليها، ولم يعملوا لما بعدها، وما نعيم الحياة الدنيا في جانب نعيم الآخرة إِلا شيء قليل يتمتع به وليس له بقاءٌ، كعجالة الراكب وزاد الراعى، ولهذا لا يهتم بنعيمها أَصحاب المقامات العالية إِذا غاب عنهم. أَخرج الترمذي وصححَه عن عبد الله بن مسعود قال: "نَامَ رسولُ الله صَلى اللهُ عليه وسلم عَلى حَصَيرٍ فَقَامَ وقَدْ أَثر في جَنْبه، فقُلنَا يا رسولَ الله: لو اتَّخَذْنَا لك وِطاء، فقال: مَا لىِ وللدُّنيا، مَا أَنَا في الدُّنيا إلاَّ كَراكِبٍ استَظَل تَحْت شَجَرَةٍ ثم راحَ وَتركَهَا".


الصفحة التالية
Icon