أَمرنا فلا يقدمه استعجال كما فعل قومك حين أنذرتهم، ولا يؤخره استغاثة وتوبة بعد ظهور مقدماته، ولهذا عقب الله تلك الآية بقوله سبحانه:
٥ - ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٥)﴾:
أى ما نتقدم أمة من الأُمم التى كتب عليها الهلاك -ما تتقدم- على الوقت الذى كتبه الله لهلاكها، وجعله أَجلا وغاية لوجودها، وما تتأخر عنه لأي سبب من الأَسباب، بل تهلك فى الوقت التي كتبه الله تماما ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾.
٦ - ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)﴾:
هذا شروع فى بيان كفر أهل مكة بمن أُنزل عليه الكتاب بعد ما أُشير إليه فى صدر السورة من كفرهم بالكتاب نفسه ووعيدهم على ذلك.
والمعنى: وقال مشركو مكة لمحمد ﷺ على سبيل الاستهزاءِ والسخرية -لا على سبيل الاعتراف- قالوا له: يأيها الذى نزل عليه الذكر من السماء كما تزعم، إنك لمجنون بسبب هذه الدعوى، فإنها أكبر من قدره في تقديرهم الخاطيء، حيث إِنهم زعموا أن النبوة تتبع الرياسة الدنيوية، إذ قالوا: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾. والقريتان هما مكة والطائف، والرجل المقصود فى مكة هو الوليد بن المغيرة المخزومي، والمقصود فى الطائف حَبيبُ بن عَمْرو بن عُمَير الثقفى كما روى عن ابن عباس. وقيل: عتبة ابن ربيعة وكنانة بن عبد ياليل فى الطائف -كما روى عن مجاهد، وقيل غير ذلك-.
والذكر فى اللغة له عدة معان منها: الشرف، وقد أُطلق هنا على القرآن كما أطلق عليه فى نحو قوله تعالى فى سورة الزخرف: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾. وقوله سبحانه فى سورة الحجر: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ لعلو شرفه، وقد عبر المشركون عنه بلفظ الذكر مجاراة للنص القرآني على سبيل الاستخفاف.
٧ - ﴿لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)﴾:
لوما ولولا وهَلَّا: حروف ثلاثة يستعمل كل منها للحثِّ على الفعل والحضِّ عليه.


الصفحة التالية
Icon