ومعنى الآية: هَلَّا تأْتينا يا محمد بالملائكة يشهدون بصحة نبوتك، ويساعدونك في الإِنذار كما حكاه الله عنهم بقوله: "لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا". أَو يعاقبوننا على تكذيبك إِن كنت من الصادقين في دعواك النبوة، فإِن ذلك يكون تأْييدًا لك من ربك، ويجوز أَن يكون المعنى: إِن كنت من جملة الرسل الصادقين الذين عذبت أُممهم المكذبة لهم، وقد رد الله عليهم بقوله:
٨ - (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ):
أَي ما ننزل الملائكة إِلا مرتبطا بالوجه الذي اقتضته الحكمة، وليس فيها ما اقترحوه فإِن الملائكة إِن نزلوا للشهادة بصدقه صلى الله عليه وسلم، أَو لمساعدته في التبليغ، فإِما أَن يكونوا على صورتهم الحقيقية أَو على صورة بشر، فإِن كانوا على صورتهم فلا يستطيع البشر لقاءَهم بل يهلكون، لأَن أَعصابهم لا تتحمل القوة الملكية الهائلة التي أَودعها الله فيهم، وفي ذلك يقول الله في سورة الأَنعام ".... وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨) " وإِن كانوا على صورة بشر التبس أَمرهم عليهم وظنوهم بشرا حقيقيين، وهذا ما عناه الله بقوله في السورة المذكورة: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩) ".
أَما إِن نزل الملائكة لاستئصالهم على كفرهم كما طلبوه على وجه الاستعجال بقولهم: "مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" وقولهم: "للَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (١)." وقولهم: "وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (٢) " -أَما إِن نزل الملائكة لذلك- فليس من الحكمة أَيضًا، فقد وعد سبحانه أَن لَّا يعِذبهم والرسول فيهم بقوله: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (٣). وكانت ثمرة هذا الكرم الإِلَهى أَن دخلوا في دين الله أفواجا قبل أَن يلقى النبي ﷺ ربه، وبعد أَن بيَّن الله في صدر الآية أَنه لا ينزل الملائكة إِلا بالحكمة وليس منها ما طلبوه، ختم الآية ببيان الضرر الذي يحل بهم إِن حقق لهم مطلبهم بإِنزال الملائكة على أَي وجه، فقال:
(٢) سورة ص الآية ١٦
(٣) سورة الأنفال الآية ٣٣