وأَن المراد من الحمإِ المسنون الطين الأَسود المنتن، بعد أَن ذكرنا هذا نقول:
من العلماءِ من فسر الصلصال بالطين المنتن وهو رأَى مجاهد واختاره الكسائي، وهو مأَخوذ من قولهم صلَّ اللحم أَي أَنتن، ومنهم من فسَّر المسنون بالمُصوَّر، ومنه سُنَّة الوجه أَي صورته، ومنهم منْ فسَّره بمصبوب -كما تقدم بيانه، وعلى هذه الآراءِ اللغوية، يكون تفسير الآية ما يلي:
واذكر أَيها الرسول حين قال ربك للملائكة إِنى خالق إِنسانا من طين منتن مصبوب على صورة بشر. فسبحان مَنْ ينقل الشيءِ بقدرته من النقيض إِلى النقيض.
٢٩ - (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ):
التسوية جعل الشيءِ سوِيَّا معتدلا، وتسوية بشر من صلصال من حمإِ مسنون جعل الصلصال المذكور في صورة بشر سوى صالح لنفخ الروح فيه، بأَن ينقله الله من طور إِلى طور إِلى أَن يصبح لحمًا وعظمًا وأَعصابًا وشرايين وأَورِدةً تسرى فيهًا روح الحياة -والنفخ في الشيءِ هو دفع الريح فيه بالفم أَو غيره، ونفخ الروح في تمثال آدم المتطور ليس من هذا القبيل، بل هو تمثيل لِنشرِ الروح في جميع أَجزائه، فلم يكن في بث الروح فيه نفخ ولا نافخ على الحقيقة، وقد اختلف العلماءُ في تعريف الروح، فمنهم من قال أَنه جسم شفاف يحل بالجسد ويسرى فيه سريان الماءِ في العود الأَخضر، ومنهم من قال أَنه عرض يحل بالقلب أَو الدماغ حلول العِلْمِ في العالمِ، ومنهم من قال إِنه جوهر مجرد ليس داخل البدن ولا خارجه، ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه. والأَسلم عدم الخوض في تعريفه، فقد قال الله لرسوله ﷺ "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (١) " وخيْرُ ما يقال فيه إِنه سر من أَسرار الله تحيا به الأَبدان حينما يتصل بها، وتموت حينما ينفصل عنها.

(١) سورة الإسراء الآية: ٨٥


الصفحة التالية
Icon