والروح مخلوق من مخلوقات الله تعالى، وقد أَضافه الله إِلى نفسه تشريفًا وتكريمًا، كقوله في الأَرض والسماء أَرضى وسمائى مثلا، وفي البيت الحرام بيتى أَو بيت الله. وفي ناقة صالح ناقة الله، وفي الشهر الحرام شهر الله.
وهذه الآية ترد على النصارى الذين استدلوا من القرآن على أَن المسيح ابن الله، بنحو قوله تعالى: "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا" (١) فقد زعموا أَن هذا النص وأَمثاله يدل على أَن المسيح جزءٌ من روح الله وبعض منه، فيكون بهذه البعضية ابن الله، لأَن الولد بعض أَبيه ووجه الرد عليهم بهذه الآية أَنه لو كان فهم الآية على نحو ما زعموا لاقتضى ذلك الفهم السقيم أَن يكون آدم ابنًا لله، لأَنه قد وَرَدَ فيه مثل ما ورد في عيسى وذلك قوله هنا: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي". وأَنتم لا تقولون بذلك فلا وجه للتفرقة بينهما في دلالة النص، فإِذا لم يدل النص في آدم على بنوته لله، بل على أَنه مخلوق شريف من مخلوقات الله، فكذلك النص الوارد في عيسى، فرُوحُه مضافة إِلى الله إِضافة المخلوق للخالق تشريفًا وتكريمًا، وصدق الله تعالى إِذ يقول: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (٢)
ومعنى الآية إِجمالا: فإذا جعلت هذا البشر من الصلصال سويا معتدلًا متطورًا بحيث يصلح للحياة نفخت من الروح المنسوبة إِلىَّ خلْقًا وشرفًا -إِذا فعلت ذلك بهذا البشر -فخروا له ساجدين، تحية وتكريما.
وقيل أُمروا بالسجود لله عبادة وتعظيمًا عند تسويته آدم ونفخ الروح فيه، والمعنى الأَول أَنسب.
٣٠ - (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ):
أَي فسجد الملائكة لآدم بعد تمام خلقه ونفخ الروح فيه، تحقيقًا لما شرطه الله وأَوجبه
(٢) سورة آل عمران الآية: ٥٩