من اتقى ربه وعصى إِبليس بحسن المصير، وبضدها تتميز الأَشياءُ -والمراد بالمتقين الذين يدخلون الجنة من اتقوا الكفر والفواحش، ولهم ذنوب يكفرها نحو الصلاة (١)، وقال الآلوسى: نقل الإِمام عن جمهور الصحابة والتابعين- وذكر أَنه رأْى ابن عباس -أَن المراد بهم من اتقوا الشرك والكفر- ثم قال -وهذا هو الصحيح، ثم أَقام الدليل كل ذلك حتى قال: فثبت أَن الحكم المذكور يتناول جميع القائلين: لا إِله إِلا الله محمد رسول الله ﷺ ولو كانوا من أَهل المعصية... الخ.
ونحن نقول: ينبغى أَن يقيد دخولهم الجنة إِن كانوا من أَهل المعاصي، بأَنهم تابُوا عنها وقبل الله توبتهم، أَو كانوا ممن غلبت حسناتهم على سيئاتهم، فإِن لم يكونوا من هؤلاءِ أَو أُولئك فإِنهم يدخلونها بعد عقابهم في النار على سيئاتهم، تطبيقا لأَدلة الوعيد على المعاصي الواردة في كتاب الله وسنة رسوله إِلا أَن يعفو الله فإِن الأَمر كله لله.
ومنْ يمت ولم يتب من ذنبه... فأَمره مفوض لربه
والمراد بالعيون الموجودة بالجنة أَنهارها المذكورة في قوله تعالى: "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ (٢).... " الآية، ويحتمل أَن تكون عيونا ومنابع أُخرى لا يعلمها إلا الله.
والمعنى: إِن الذين يتقون الكفر والفواحش يعيشون في الآخرة في جنات عظيمة الشأْن دانية الثمار، ومن حولهم عيون وينابيع تجرى مياهها بين الجنات، فتضفى عليها الجمال والحسن، ليكمل بها متاعهم.
٤٦ - (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ):
أَي يقال لهؤلاءِ المتقين عند دخولهم الجنة، ادخلوها سالمين فيها من الآفات في أَجسادكم آمنين من أَن يطرأَ عليكم ما يخيفكم -ويجوز أَن يراد من دخولهم بسلام أَنهم يدخلون مسلَّمًا عليهم مرحَّبًا بهم، ويراد من أَمنهم ما يعم الأَمن من الآفات الجسدية والروحية.

(١) كما نقله الزمخشرى في (كشافه) عن ابن عباس.
(٢) سورة محمد من الآية ١٥


الصفحة التالية
Icon