السابق مجردًا من ذلك، كأَنه قال: يبدو لى أَن لكم شأْنا آخر خطيرًا فما هو؟ وقد كانت إجابتهم مصدقةٌ لفراسته:
٥٨ - (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ):
يعنون قوم لوط عليه السلام، فقد أَفحشوا غاية الفحش بإِتيانهم الرجال شهوة من دون النساءِ مع شركهم، ولهذا وصفوا بالإِجرام لأَنه دأْبهم، وجىءَ بهم بطريق التنكير ذمًّا لهم واستهانةً بهم.
أَي قالت الملائكة لإِبراهيم عليه السلام جوابا عن سؤاله: إنا أَرسلنا الله تبارك وتعالى إِلى قوم مجرمين.
وتتمة الجواب في سورة الذاريات: "لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ" (١).
إِلا أَنه أَوجز هنا اكتفاءً بما ذكر هناك، كما تقدم مثل هذا وكما يأْتى مرارًا، وهذا من دلائل حكمة الكتاب العزيز، حيث لا يطنب في مقام الإِيجاز.
أَي قال المرسلون لإِبراهيم عليه السلام، إِن الله تعالى أَرسلهم لإِهلاك المجرمين من قوم لوط بعذاب الاستئصال، وتنجية غير المجرمين منهم فهم مستثنون من القوم المهلكين. ولذلك قالوا:
٥٩ - (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ): والمراد من آل لوط من آمن به من قومه ولو كانوا من غير قرابته أَو أَصهاره، وقد استثنوهم من أَجل إِيمانهم، ولما كانت امرأَته كافرة ضالة، استثنوها من آل لوط فقالوا:
٦٠ - (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ):
أَي حكمنا وقضينا قضاءً لا مرد له: بأَنها من الباقين في العذاب مع الكَفرة المهلكين، من أَجل كفرهم وجرمهم وكفرها معهم. وإِنما أَسند الملائكة التقدير والقضاء إِلى أنفسهم