"لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ (١) " الآية. قال صاحب الفتح: قال العماءُ: السر في النهي عن الحلف بغير الله، أَن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إِنما هي لله وحده...
ولما أَفادت الآيات السابقة أَن قوم لوط بلغوا من الإِجرام حدًّا لا ينفع معه نصح ولا إِنذار ذكر سبحانه عاقبه إِجرامهم فقال:
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ): الفاءُ في قوله تعالى: "فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ" للإِشارة إِلى أَن عذابهم بالصيحة جاء عقب إِخبار لوط بأَن قومه في سكرتهم يعمهون.
والمعنى: فبعد ما أُخْبِرَ لوط بغفلة قومه عما أَعده الله لهم من العقاب على فاحتشهم، أَخذتهم صاعقة العذاب الهون وهم مشرقون -أَي داخلون في وقت شروق الشمس، ويجمع بين قوله تعالى: "وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ" وبين قوله هنا "مُشْرِقِينَ" بأَن ابتداءَ عذابهم كان عند الصبح، وانتهاءَه كان عند الإشراق.
ثم بين سبحانه صفة العذاب المدمر الذي أُحيطوا به قال:
٧٤ - (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ):
أَي فجعلنا عالِىَ مدينتهم، أَو عالى قراهم سافلها، بأَن دمرناها عليهم وقلبناها فوقهم، وأَرسلنا عليهم طينًا متحجرًا كالمطر المتتابع: أَنزلناه قبل القلب أَو في أَثنائه ليصيب الشذاذ المتفرقين، فلا ينجر منهم جميعًا أَحد. وفي سورة الذاريات: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ" (٢). ولا ريب أَنها حجارة صنعت من طين لا يعلم كنهه إِلا علام الغيوب والطين إِذا تحجَّر سُمِّى سِجِّيلا!

(١) سورة المائدة من الآية: ٨٩
(٢) الآية: ٣٣


الصفحة التالية
Icon