كان عبدًا شكورا، وما اخترناه أظهر وأَولى، لما فيه من رجوع الضمير إلى أقرب مذكور، وهو نوح عليه السلام.
﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥)﴾
المفردات:
﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: أَي أوحينا إليهم (١) على سبيل الجزم والقطع.
﴿فِي الْكِتَابِ﴾: أَي في التوراة، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: أي في جنس الأرض، أو هي الشام وفيها بيت المقدس. ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾: العلو، الارتفاع، والمراد به هنا الاستكبار والتغلب على الناس بالظلم. ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ﴾: سلطنا عليكم. ﴿عِبَادًا لَنَا﴾: أَي ناسا مملوكين لنا كي يؤدبوكم، ولا يقتضى وصفهم بالعبودية أَن يكونوا مؤْمنين فالكافر والمؤمن عباد مملوكون لله، تجري عليهم أَحكامه.
﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾: أصحاب قوة وبطش شديد في الحروب. ﴿فَجَاسُوا (٢) خِلَالَ الدِّيَارِ﴾: أي ترددوا بينها لطلبكم وعقابكم. ﴿وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾: أي وكان ما ذكر من إرسال العباد ليعاقبوكم، وعدًا نافذًا لا مفر من وقوعه، والوعد يستعمل في الخير والشر، ويفرق بينهما بحسب المقام، وقد يفرق بينهما لفظًا، فيقال في الخير وعَدَ، وفي الشر أوعدَ ومنه قول الشاعر:
وإني وإن أَوعدته أَو وَعَدتُه | لمُخْلفُ إيعادى ومنجزُ موعدى |
(٢) الجلوس طلب الشيء باستقصاء.