وهذا تبكيت صارخ؛ لأن الإتيان بالبرهان على عبادة الأصنام محال. وفي هذا دليل على أن مجرد التقليد في العقائد مردود. ومما لا شك فيه أنك لو سألت أحدا من عوامّ المؤْمنين عن دليل وجود الله الذي يعبده؛ فإنه لا يتردد في أَن يشير إلى سمواته وأَرضه، ويشير إلى نفسه، فهو يعلم أنها أَمارات شاهدات على الحي القيوم.
ثم بينوا أَن قومهم أَظلم الظالمين فقالوا:
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾:
أَي لا أحد أشد ظلما ممن اختلق على ربه كذبا بنسبة الشريك إِليه؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا.
١٦ - ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾:
كان قوم الفتية يعبدون مع الله آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله تعالى، فقال بعضهم لبعض: وإِذ فارقتم القوم بقلوبكم وبدينكم، ففارقوهم أَيضا بأبدانكم، فالجئوا إِلى الكهف لعبادة ربكم مخلصين له الدين، يبسط عليكم رحمة من عنده يستركم بها في الدارين، ويسهل لكم من أَمركم ما تنتفعون به في حياتكم، قالوا ذلك ثقةً بفضل الله تعالى، وقوةً في رجائه، لتوكلهم عليه سبحانه ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (١). ثم أتبعوا مقالتهم الحكيمة، تنفيذ عزيمتهم الصادقة، فأووا إِلى كهفهم، في حراسة ربهم وكفالته، لم يرهم أَحد من قومهم، وقد جدوا في طلبهم!
قال الحافظ ابن كثير: وعمَّى الله خبرهم، كما فعل بنبيه محمد ﷺ وصاحبه الصديق رضي الله عنه، حين لجأ إلى غار ثور، وجاء المشركون من قريش في الطلب فلم يهتدوا إِليه، مع أَنهم يمرون عليه! وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم

(١) سورة الطلاق، من الآية: ٣


الصفحة التالية
Icon