لما رأى جَزع الصديق في قوله يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إِلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟! وقد قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (١). قال ابن كثير: فقصة هذا الغار (أي غار ثور) أَشرف وأجَل، وأَعظم وأَعجب، من قصة أَصحاب الكهف!!
ذلك، وقد دلت الآية الكريمة على مشروعية الهجرة. ولا شك أَنه إذا اشتدت الفتن في دار الكفرة، ولم يستطع من بها من المسلمين أَن يأمنوا على أنفسهم ودينهم - فعليهم أن يهاجروا حيث يأمنون على دينهم وأنفسهم. وقد هاجر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بأَمره فرارا بدينهم من الفتن! ثم هاجر ﷺ هو وصاحبه! واحتملوا في هجرتهم أَهوالًا ثقالا، كان عاقبتَها نصرُ الله والفتح.
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (١٨)﴾