أهل القرون الماضية، فلا مجال لأن يقولوا لصاحبهم في شأن الطعام ما قالوا، ولأنه لما ذهب إلى المدينة لم ينكر حال نفسه وإنما أَنكر معالم المدينة وأَهلها، فالحق أَن الله تعالى لم يغير حالهم بعد مئات السنين، ليكون ذلك آية بينة لمن يراهم بعد يقظتهم كما سنشرحه إن شاءَ الله تعالى.
أَين الكهف ومن أَيِّ البلاد أصحابه
يقول بعض المفسرين إنه في بلاد الروم، وإن أَصحابه منها، ويضيفون إلى ذلك أَنهم باقون على الحالة التي توجب فِرَارَ مَنْ يطَّلع عليهم ورُعْبَهُ منهم، ويستدلون لذلك بما أَخرجه ابن أَبي شيبة وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس قال: "غزوْنَا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم، فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذين ذكرَهم اللهُ تعالى في القرآن، فقال معاوية: لَوْ كُشِف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس: ليس ذلك لك، قد منع الله تعالى ذلك مَنْ هَوُ خيرٌ منك فقال: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ فقال معاوية: لا أَنتهي حتى أَعْلَمَ عِلْمَهُمْ، فبعث رجالًا وقال اذهبوا فادخلوا الكهف وانظروا، فذهبوا فلما دخلوه بعث الله تعالى عليهم ريحًا - فأَخرجتهم" وأصحابُ هذا الرأْى يقولون إن الخطاب في قوله تعالى: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ للرسول خاصة.
وقد روى عن ابن عباس عكس ما تقدم، فقد أَخرج عبد الرازق وابن إلى حاتم عن عكرمة أَن ابن عباس غزا مع حبيب بن مسلمة، فمروا بالكهف فإذا فيه عظام، فقال رجل: هذه عظام أهل الكهف، فقال ابن عباس: لقد ذهبت عظامهم منذ أَكثر من ثلاثمائة سنة، فهذا الأثر ينفى ما دَلّ عليه الخبر السابق، من بقاءِ أجسادهم سليمة.
ونحن نرى أَن الخطاب في قوله تعالى: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ لكل من يصلح أن يُخَاطَبَ، وإن المراد من الآية الكريمة حكايته حالهم وقت رقودهم وقبل بعثهم، وأما أمرهم بعد موتهم واتخاذ مسجد عليهم، فهو من الغيبيات التي لم يكشف النقاب عنها على وجه تطمئن إليه القلوب.