ومن المفسريين من نقل أنهم بالشام، قال أَبو حيان: إِن في الشام كَهْفَ موتى، ويزعم مُجَاوروه أَنهم أَصحاب الكهف، وعليهم مسجد وبناءٌ يسمى الرقيم، ومعهم كلب رمة: اهـ
ولعل أَبا حيان يشير بكونهم في الشام إلى أنهم في الأردن، فإن الأردن من الشام، فقد كان إقليم الشام يعم سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، وقد صرح بوجودهم في الأردن الهروي، إذ قال: إن البلقاء بلد به الكهف والرقيم، عند مدينة يقال لهاَ عَمَّان، بها آثار قديمة، ووافقه ياقوت، وقال القدسي: الرقيم قرية على فرسخ من عمان على تخوم البادية، فيها مغارة لها بابان صغير وكبير وقد روى عن ابن عباس أن الرقيم واد بين غَضبان وأيْلَة دون فلسطين، وفيه أَصحاب الكهف: اهـ
وغَضْبَانُ بالضاد المعجمة واد بالشام، وهذه الرواية تخالف ما روى عنه سابقًا من أَنهم وكهفهم في بلاد الروم، ولعلها أقرب منها إِلى الصواب. وقد دفَعت هذه الرواية وغيرها مصلحة الآثار بالمملكة الأردنية إلى التنقيب في هذه المنطقة حتى كشفوا كهفا وآثارًا، وظنوا أن هذا هو الكهف الذي جاءَ ذكره في سورة الكهف؛ بل لقد أَكد الأستاذ رفيق الدجاني المساعد الفني لمدير الآثار العربية بالأردن أَنه هو بعينه، والله أعلم بصحة هذا أو مخالفته للحقيقة، فقد علمت ما تقدم نقله من وجودهم ببلاد الروم، ونقل الآلوسي أن بالأندلس في جهة غرناطة كهف موتى ومعهم كلب رمة، وأَكثرهم قد ذهب لحمه، وبعضهم متماسك، وهم بقرب قرية تسمى لوشة، ويزعم ناس أنهم أَصحاب الكهف. قال ابن عطية: دخلت عليهمُ فرأَيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة، وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء رومى يسمى الرقيم، كأنه قَصْر مخلق قد بقى بعض جدرانه، وهم في فلاة من الأرض خربة، وبأَعلى حصن غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس وجدنا في آثارها غرائب: اهـ.
فمن تضارب الروايات في مكان كهفهم، فإننا لا نستطييع الجزم به، كما لا نستطيع الجزم بالأمة التي نشأوا منها، وكل ما نستطيع القطع به هو قصتهم وواقعيتها، وأنهم من آيات الله تعالى، فلندع العلم بما وراء ذلك إِلى علام الغيوب.