وعلى الأَول يكون المعنى: لا يضل رَبى عن أَحوال القرون الماضية ولا ينساها، ربي الذي الذي جعل لكم الأَرض مُمهدة كمهد الصبى، مبسوطة بحيث تستطيعون التقَلُّب فيها، والاستقرار عليها، والانتفاع بها، وفتح لكم فيما بين وِهادِها وجبالها ووديانها سبلا وطرقا، تسلكونها من بلد إِلى بلد، ومن قطر إِلى قطر، لتستكملوا منافعكم، وتحققوا مآربكم، مما يكون متيسرًا لدى غيركم، ومفقودًا أَو قليلا عندكم.
وعلى الثاني يكون المعنى: هو الله الذي أَنعم عليكم بنعمه العظيمة، حيث جعل لكم الأَرض مبسوطة كمهد الصبى، وفتح لكم فيما بينها طرقا.. الخ.
﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾:
إِما أَن يراد من السماء السحاب، وإِما أن يراد ما فوقها، فعلى الأَول يكون قد عبّر بالسماءِ عن السحاب، لأَن كل ما علاك سماءٌ، ونزول الماء من السحاب أَمر واضح لا ريب فيه، وعلى الثاني يكون إنزاله من السماء بمعنى إنزاله بسببها، فإن السحاب يتكون من بخار الماء الناشيء عن حرارة الشمس المسلطة على المحيطات والبحيرات، والأرض المرويَّة، وفيما يلى معنى الآية على الوجهين معًا:
المعنى: وهو الذي أَنزل من السحاب أَو بسبب الشمس التي هي في السماءِ، أَنزل ماءً بقدر معلوم، بحيث لا يضر مصلحة البشر، فيغرقهم، فأَخرجنا به أشباهًا ونظائر من النبات، متفرقة في خصائصها، حيث ترونها مختلفة الطعم والشكل واللون والرائحة، مختلفة النفع للإِنسان في بناءِ جسده وعلاجه من أَمراضه، وللحيوان كذلك، وهى مع اختلافها متزاوجة، ومتشابهة في عموم النفع والجمال والنضرة والبهجة، كما أَنها متزاوجة حيث توجد بين أَصنافها الذكورة والأنوثة ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (١).
قالوا: ومن نعمته تعالى، أن أَرزاق العباد تقوم على الأَنعام، وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم، ولا يستسيغون أَكله، وبعد أَن بين نعمه على خلقه بإنبات أَصناف النبات، أَباحها لهم ولأَنعامهم بقوله: