وفسر ابن زيد الفرقان الذي أُوتيه موسى وهارون بالنصر على الأعداءِ كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (١).
قال الثعلبى: هذا القول أَشبه بظاهر الآية، فيكون المعنى: ولقد آتينا موسى وهارون النصر والتوراة التي هي الضياءُ والذكر. انتهى بتصرف يسير.
٤٩ - ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾:
الآية تصف المتقين الذين ينتفعون بالتوراة ويستضيئون بنورها، ويتعظون بذكر آياتها البينات قبل نسخها، فتذكر أَخص صفاتهم وهى أَنهم يخشون ربهم، ويخافون عذابه غائبين عن أَعين الناس، وذلك بما وقر في سرائرهم لعمق الإيمان، وقوة اليقين، وهم خائفون من مجىءِ الساعة، وما وراء ذلك من حساب وجزاءٍ، فلهذا تَعظُم خشيتهم من ربهم في سرائرهم غائبين عن أَعين الناس.
أَو المراد يخشون ربهم وهو غير مرئى لهم، فقد عرفوا بالنظر والاستدلال أَن لهم ربًّا قادرًا على أَن يجازى على الأَعمال فهم يخشونه - جل شأْنه -، ويخافون عذابه وهو غير مشاهَدٍ لهم، ووصف المتقين بالإِيمان بالغيب، شهادةٌ بصدق إِيمانهم، ومدحٌ لهم، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ (٢). وقوله: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (٣). وقوله: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ (٤). إِلى غير ذلك من الآيات، وإنما وصف المتقون بالخشية من الساعة بعد أَن وُصفوا بعموم خشيتهم من الله، لتهويل أَمرها، ووصفهم بضد ما اتصف به المستعجلون الذين لجُّوا في عُتُوِّهم، وأَعرضوا عن ذكر ربهم، والثناء على المتقين من أَهل التوراة قبل أَن ينسخها بالإِنجيل ثم بالقرآن العظيم، الذي أَوجب الله الإِيمان به على اليهود والنصارى وسائر البشر، ولهذا قال سبحانه:
٥٠ - ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾:
أي: وهذا القرآن ذكْر يتعظ به أُولو الأَلباب، كثير البركة موفور النفع، أَنزلناه
(٢) سورة البقرة، الآية ٣
(٣) سورة الملك، الآية: ١٢
(٤) سورة ق، الآية: ٣٣