التفسير
١ - ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾.
الخطاب في الآية يعم حكمه المكلفين من وقت نزولها إلى أَن تقوم الساعة، والأَصل في الخطاب أَن يكون لمن حضر المشافهة به، ولكن الخطاب الشرعى يعم حكمه كل من يصل إلى سِنِّ التكليف في عهد الرسول أَو بعده إلى أَن تقوم الساعة وذلك بطريق التغليب عند بعض الفقهاءِ، وبطريق الحقيقة عند غيرهم، وعموم الحكم في ذلك أَمر معلوم من الدين بالضرورة، سواءٌ أَكان بالتغليب أَم بالحقيقة، والزلزلة: التحريك الشديد المتكرر كما تقدم بيانها في المفردات، وقد تستعمل في تهويل الأَمر وتعظيم الخطب على سبيل المجاز، والمقصود بها في الآية: إما المعنى الحقيقى المصاحب لقيام الساعة بعد النفخة الثانية وفيه يقول الله سبحانه: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (١).
ويقول أَيضا: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ (٢).
وإِما أَن يقصد بها المعنى المجازى، وهو ما يحدث يوم القيامة من أَهوال جسام تجعل الولدان شيبا، ويكون الناس بسببها سُكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
والزلزلة على كلا المعنيين تكون يوم القيامة، وبه أَخذ ابن عباس، فقد روى عنه أَن زلزلة الساعة: قيامها، وممن قال بهذا الرأْى الحسن.
وقيل: المراد بها زلزلة تحدث قبل قيام الساعة وقبل طلوع الشمس من مغربها، فقد وردت آثار كثيرة بحدوث زلزلة عظيمة قبل قيامها، وتكون من أَشراطها، ويقول أَصحاب هذا الرأْى: إِنها تكون قبل طلوع الشمس من مغربها.
والرأْى الأَول هو الظاهر من الآية - كما يؤذن به صدرها وختامها - فإِنه سبحانه دعاهم فيها إلى التقوى خوفا من العذاب الشديد يوم زلزلة الساعة، فهذا شاهد على أَن
(٢) سورة الانفطار، الآيات من ١