ويليه طور المضغة الذي يستمر أَربعين يوما أُخرى كما جاءَ في الحديث "ثم يكون مضغة مثل ذلك".
والمضغة في اللغة: ما يمضغ من لحم وغيره وهى في أَصل الإِنسان: قطعة لحم فيها بعض التصوير، وسميت بذلك لأَنها في مجمل مظهرها تشبه في أَوَّل طورها قطعة لحم قدر ما يمضغ، إِذْ أَنها حينئذ تزن خمسة وعشرين درهما تقريبا، وطولها ثمانية سنتيمترات كما تقدم، ويظل الجنين في طور المضغة ينمو وينتقل في التصوير إِلى ما هو أَكمل حتى يتم خلقه في نهايته، فيكون وزنه نحو سبعين درهما، وطوله نحو ثمانية عشر سنتيمترا، وحينئذ تبدأُ حركته في بطن أُمه حيث قد نفخت فيه الروح، وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (١).
ويشير إليه قوله - ﷺ - بعد دور المضغة: "ثم ينفخ فيه الروح" وبهذه الحركة تطمئن الأُم على حياة جنينها.
والمقصود من نفخ الروح فيه حينئذٍ إِعطاؤُه دفعة قوية من الحياة تمكنه من الحركة في بطن أُمه بعد أَن تم خلقه، أَما أَصل الحياة فموجود في الحيوان المنوى والبويضة قبل التلقيح، ثم في الخلية الأُولى التي نشأَت من تلقيحه لها، ولولا الحياة فيهما لما تكونت تلك الخلية، ولولا استمرار الحياة لما تكاثرت وتطورت حتى أَصبحت شيئا آخر مخالفا لأَصلها.
ويستمر الجنين في النمو وهو محاط بثلاثة أَغشية، وفي نهاية الشهر التاسع يكون قد اكتمل نموه، وأَصبح صالحا لأَن يعيش خارج بطن أُمه، فيولد غالبا إن لم يكتب الله له البقاءَ في بطن أُمه أَكثر من تسعة أَشهر (٢).
والمراد من قوله في المضغة ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾: أَنها صالحة لكمال التخليق والتصوير، لخلوها من العيوب، وغير صالحة لهذا الكمال، لوجود بعض العيوب فيها، فينشأُ عن
(٢) إذا ولد الجنين لتسعة أشهر يكون طوله من خمسة وأربعين إلى خمسين سنتيمترا، ووزنه من ثلاثة إلى ثلاثة ونصف كيلو جرام. فتبارك الله أحسن الخالقين.