ذلك التفاوت في خلق الإِنسان فبعضه يكون كامل الخلق سالما من العيوب، وبعضه الآخر يكون به بعض النقصان والعيب في صورته وفي طوله وقصره وأَعضائه ووظائف تلك الأَعضاءِ (١) وغير ذلك.
وفسَّر بعضهم المخلقة بالمصورة، وغير المخلقة بغير المصورة، والمراد تفصيل حال المضغة، وبيان كونها أَولا قطعة لحم لم يظهر فيها شىءٌ من الأَعضاءِ، ثم ظهرت شيئا فشيئا، ولكن هذا المعنى يقتضي تقديم غير المخلقة على المخلقة، مراعاة للتدرج في الخلقة.
وروى عن مجاهد وغيره: أَن المخلقة التي تواردت عليها أَطوار التخليق حتى تمت مدة الحمل، وغير المخلقة التي لم يتم لها ذلك وسقطت، وأَوردوا على هذا الرأْى: أن الآية في خلق الإِنسان من نطفة فعلقة، فمضغة، فكيف يخلق الإِنسان من نطفة ساقطة في أَي طور من أَطوارها، والرأْى الأَول هو المناسب للمعنى ولتفاوت حال الخلائق كمالًا ونقصانا والمعنى الإِجمالى لهذا الجزءِ من الآية ما يلى:
يأَيها الناس المنكرون للبعث المجادلون فيه بغير علم: إن كنتم في شك في إِمكانه وحصوله، فلا مجال لإِنكاركم ولا لِشَكِّكُم، فإنا خلقناكم أَصلا من تراب في ضمن خلقنا لأَبيكم آدم، ثم قدَّرنا في خلقكم منهاجًا آخر حيث خلقناكم من نطفة الوالدين، وذلك أَنه حين تلتقى النطفتان تنشأُ عن لقائهما. بمشيئتنا الخلية الأُولى لتكوين الإِنسان ثم تتكاثر تلك الخلية بانقسامها السريع إِلى خلايا متماسكة، ثم تسْتقِرُّ مِنَ الرحم في قرار مكين بأَمرنا، ثم طورنا هذه النطفة في الرحم حتى وصلت إِلى طور العلقة، حيث يصبح الجنين فيها كالدودة العالقة بالرحم، بعد أَن أَفضنا عليه شيئا من التخليق والتكوين ثم كبَّرنا هذه العلقة حتى جعلناها في حجم المضغة، وجعلنا هذه المضغة كاملة التخليق، بحيث ينشأُ عنها إنسان كامل التكوين، أَو ناقصته لينشأَ عنها إِنسان ناقص في تكوينه، بأَن يكون دون الأَول في الحسن وجمال التصوير، أو في تمام الأَعضاءِ وقيام الأَجهزة الجسمية بأَداءِ وظائفها ونحو ذلك - خلقناكم على هذا النمط البديع المتفاوت - لكي