نبين ما لا يمكن حصره من عظمة الخالق وحكمته وكامل تدبيره وعظيم قدرته وغير ذلك من عظائم الأُمور التي من جملتها البعث والنشور فإِن من تأَمَّل ما ذكر من الخلق التدريجى جزم بأَن من قدر على خلق البشر من تراب لم يذق طعم الحياة، وأَنشأَه على وجه مصحح لتوليد مثله مرة بعد أُخرى، بتصريفه في أَطوار الخلقة وتحويله من حال إلى حال، مع ما بين تلك الأَطوار من المخالفة والتباين فهو قادر على إِعادته بعد موته، بل هو أَهون في القياس.
ثم بين الله حال الجنين بعد تلك الأَطوار فقال سبحانه:
﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾:
فهذه الجملة مستأْنفة لبيان مستقبلهم بعد تلك الأَطوار.
والمعنى: ونثبت في الأرحام بعد تلك الأطوار ما نشاءُ بقاءَه فيها إِلى أَجل سميناه لوضع كل جنين منكم بعد تمام خلقه وكمال نموه وصلاحيته لأَن يعيش خارج بطن أُمه، وغالِبُه تسعة أَشهر، ويقول الفقهاءُ: أَدناه ستة أَشهر ولحظتان للوطءِ والوضع، وأَقصاه عند الحنفية سنتان، وعند الشافعية أربع سنين وهذا نادِرٌ جدًّا.
﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾: المراد بالطفل هنا: الأَطفال، فإِنه يطلق على الواحد والجمع، أَي: ثم نخرجكم بعد مدة الحمل التي أَردناها - نخرجكم أَطفالا بعد أَن كنتم أَجنة، ثم نُنَمِّى أَجسادكم وقواكم لتبلغوا أَشدكم وكمالكم في الجسم والعقل.
أَما الذي لا نشاءُ إِقراره في الأَرحام، فإننا نسقطه منها في أَول زمن الحمل أَو في آخره أَو فيما بينهما، تبعا لحكمتنا.
ثم بيَّن الله أَحداثا أُخرى تحدث بعد الولادة فقال على سبيل الاستئناف:
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ أَي: ومنكم من يموت قبل بلوغ الأَشد أَو في أَثنائه ومنكم من يبقى بعد بلوغ الأَشد ويرتد إِلى أَخس العمر وأَحقره، حيث يمعن في الشيخوخة والهرم، فتضعف قواه الجسدية والعقلية، وينتهى أَمره إلى أَن ينسى ما علمه من قبل، ولا يقبل علما جديدا بعد، وذلك زمَنُ