وأَحكامه ومناسكه ومنافعه، وكل ذلك يؤَدَّى بمكة، وَحَرمِهاَ، وأَنَّى للمهاجرين المضطهدين أَن يصلوا إِليها حاجِّين أَو معتمرين، تلبية لنداءِ جَدِّهم إِبراهيم الذي حكاه الله من قبل بقوله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ الآيات (٣٧ - ٣٩) أَنى لهم أَن يحجوا ويعتمروا وقريش لهم بالمرصاد؟ تصدهم عن حماه، وتحرمهم من أَداءِ فريضة الله، وتمنع معهم مَن انْضَمَّ إِليهم وأَسلم من أَنصار المدينة، وهم بعدُ لم يؤْذن لهم بحرب ولا قتال.
فلهذا كله أَنزل الله تلك الآية لبعث الأَمل في نفوس المؤْمنين وطمأَنة قلوبهم ببيان أَنه - تعالى - ناصرهم على أَعدائهم، وممكنهم من الوصول إِلى بيته، تحقيقًا لقوله من قبل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (١).
والمعنى الإِجمالى للآية: إِن الله يَدْفَعُ عن الذين آمنوا به وبرسوله غائلة أَعدائهم المشركين إِن أَرادوهم بسوءٍ أَوصدوهم عن المسجد الحرام - يدفع عنهم شرورهم دفعًا بليغًا - لأَنه تعالى لا يحب كل خوان لأَمانة الله، كفور بنعمة الله، وهؤُلاءِ المشركون خانوا الله ورسوله وأَولياءَه، وخانوا أَماناتهم، وكفروا بربهم، وعَصَوْا رسوله وكفروا به وآذوه ومن آمن معه من المؤمنين، وأَخرجوهم من ديارهم وبالغوا في كفرهم وخيانتهم، فلهذا استحقوا أَن ينتقم الله منهم، ويدفع أَذاهم عن عباده المؤمنين الذين يحبهم ويرضى عنهم.
٣٩ - ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾:
وَعَدَ الله في الآية السابقة بالدفاع عن الْمُؤْمنين ومساندتهم تمهيدًا لهذه الآية التي أَذن لهم فيها بقتال المعتدين عليهم المخرجين لهم من ديارهم، وأَكد فيها وعده السابق.