وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فكان من المناسب أن تبدأَ هذه السورة بما يؤكد فلاح المؤمنين المصلحين العابدين، الخاشعين المتقين، ولفظ (قدْ) يفيد تحقيق المتوقع وتثبيته، وكان المؤمنون يتوقعون البشارة بفلاحهم، لإِيمانهم وتوحيد ربهم فأخبروا بتحقق ما توقعوه وثباته، إذا قرنوا إِيمانهم بالعمل الصالح، والمؤمنون في اللغة: المصدقون مطلقًا، وفي الشرع: المصدقون بما علم ضرورة أَنه من دين نبينا محمد - ﷺ - من وحدانية الله تعالى وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبجزاء المحسنين والمسيئين فيه، وأن يخلو تصديقهم هذا عن الرياءِ والنفاق والشك.
والخشوع في الصلاة: سكون الجوارح والتذلل وحضور القلب، وجمع الهمة لها والإعراض عما سواها، وأن لا يجاوز البَصَرُ المُصَلَّى، فلا يلتفت المصلى يمْنةً ولا يسرة، ولا يعبث بلحيته ولا بثيابه ونحو ذلك.
وقال أبو الدراء يصف الخشوع: هو إخلاص المقال، وإِعظام المقام، واليقين التام، وجمع الاهتمام.
والخشوع محله القلب، وله السلطان على الجوارح، فإِذا خشع القلب خشعت الجوارح لخشوعه، قال القرطبى: كان الرجل من العلماء إِذا أَقام الصلاة وقام إليها، يهاب الرحمن أَن يحدَّ بصرَه إِلى شىء، وأَن يحدث نفسه بشىء من الدنيا - وأَخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول بسنده إِلى أَبي هريرة عن رسول الله - ﷺ - أنه رأى رجلًا يعبث بلحيته في صلاته فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" كما أخرج بسنده عن أم رومان والدة عائشة - رضى الله عنها - قالت: (رآنى أَبو بكر - رضى الله عنه - أتمَيَّل في صلاتي، فزجرنى زجرة كدت أَنصرف عن صلاتى) ثم قال: واختلف الناس في الخشوع: أَهو من فرائض الصلاة أم من فضائلها، ورجح بعضهم الأول، وأضيفت الصلاة إِلى المصلين في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ ولم تضف إِلى الله الذي يصلون له؛ لأَنهم المنتفعون بثوابها، فهي عُدَّتهم وذخيرتهم، وأَما المولى - سبحانه - فهو غنى عنهم وعن عبادتهم.