والمراد بعهدهم: ما عاهدوا الله عليه بالأيمان والنذور، وما عاهدوا الناس عليه بالعقود والوعود، وجمعت الأمانة في الآية دون العهد، لكثرة الأمانات من جهة الله ومن جهة الناس، وقد أَثنى الله عليهم، بأنهم مراعون للأمانات والعهود بأنواعها، حافظون لها قائمون بحقوقها.
٩ - ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩)﴾:
هذه هي الصفة السادسة للمؤمنين المفلحين، والمراد من الصلوات: الصلوات المفروضة، كما أَخرجه ابن المنذر وغيره عن عكرمة، والمراد من المحافظة عليها: أَداؤها في أوقاتها بأركانها وشروطها، والتعبير بقوله ﴿يُحَافِظُونَ﴾ بدل (محافظون) لما في الصلاة من التجدد والتكرار الذي توافقه صيغة الفعل المضارع.
وقد ذكرت الصلاة في أوصاف المؤمنين مرتين ولا تكرار فيها، فإن ذكرها أولًا للحث على الخشوع فيها لأهميته، وذكرها أَخيرًا للمحافظة عليها في جميع مطالبها.
وكلاهما يدل على فضل الصلاة وعظيم منزلتها عند الله تعالى، ولهذا فرضها الله في السماء ليلة الإسراء والمعراج، وفرض سواها وَحْيًا على محمد - ﷺ - في الأرض.
١٠ - ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠)﴾:
أَي: أولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات الجديدة هم الجديرون بأن يسموا وُرَّاثًا دون من عداهم ممن يرثون نفائس الأَموال والحلى وغيرها من متاع الدنيا، فإنه عرض زائل، وما عند الله خيرٌ وأبقى، ثم شرح ميراثهم فقال:
١١ - ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾:
والفردوس في اللغة - كما قاد صاحب القاموس -: هو البستان يَجْمَعُ كل ما يكون في البساتين وقد يؤنث.
وهو في الآخرة أَعلى درجات الجنان، ففي الحديث: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن" أخرجه البخاري ومسلم.