وهؤلاء القوم هم عاد قوم هود، فإنهم هم الذين خلفوا قوم نوح وجاءُوا بعدهم، كما عرف من الترتيب القرآني لقصص الأمم وأنبيائهم، فقد جاءت قصتهم بعد قوم نوح في سورة الأعراف وهودٍ وغيرهما، ولهذا قال لهم رسولهم هود: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ واختار هذا الرأى ابن عباس، وإليه ذهب أكثر المفسرين.
وقيل: هم ثمود قوم صالح، لأنهم هم الذين جاءَ ذكرهم في القران بأنهم أهلكوا بالصيحة، وهؤلاء الذين جاءُوا هنا بعد نوح أُهلكوا بالصيحة، كما سيجىءُ بآخر قصتهم في قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١)﴾ (١).
وقد يكونون أُمة أخرى غيرهما، ولهذا لم يصرح باسمها ولا باسم رسولها.
والمعنى: ثم أَنشأْنا من بعد إهلاك قوم نوح بالطوفان لكفرهم - أنشأنا - قوما آخرين في زمان غير زمانهم.
٣٢ - ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ (٢) اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣٢)﴾:
فأرسلنا في أهل هذا القرن رسولًا من بينهم، قائلين لهم على لسانه: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به أحدا في العبادة، فإنه ليس لكم من إِله سواه حتى تشركوه معه في العبادة، أتعبدون معه غيره، فلا تتقون عقابه، ولا تخشون عذابه.
٣٣ - ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا (٣) وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾:
وقال أَشراف قومه الذين بالغوا في كفرهم وتكذيبهم بلقاه الآخرة ونعمناهم ووسعنا عليهم في الحياة الدنيا - قالوا لمن دونهم من قومهم مُنَفِّرين من اتباعه -: ما هذا الذي يدعى الرسالة فيكم إِلَّا بشر مماثل لكم، فهو يأْكل مما تأْكلون منه، ويشرب مما تشربون فليست له ميزة فيكم، حتى يدعى أنه رسول الله إليكم، ثم بالغوا في التنفير من اتباعه فقالوا:
(٢) (أن) هنا بمعنى أي، لوقوعها بعد الإرسال الذي يتضمن معنى القول.
(٣) من قومه بيان الملأ، والذين كفروا صفة الملأ، جىيء بها فما لهم، وتنبيها على غلوهم في ال