٥٩ - ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ﴾:
أَي: لا يشركون بربهم غيره، شركًا جليًّا، ولا شركًا خفيًّا، بل يعبدونه وحده موقنين بأنه لَا إِله إِلَّا هُوَ، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدًا.
والتعبير بكلمة (بِرَبِّهمْ) هنا وفيما سبق للدلالة على أَن اعترافهم بربوبية الله لهم جعلهم يشفقون ويؤمنون به تعالى، ويفردونه بالعبادة، فلا يشركون معه أحدًا، مع ما فيها من إِشارة إِلى ما لربوبيته تعالى لعباده من دخل كبير في وجوب توحيده وعبادته.
٦٠ - ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾:
أَي: يعطون العطاءَ: زكاة أَو صدقة، وهم خائفون أَلَّا يقبل منهم، أَو لا يقع على الوجه اللائق، لتقصير في الوفاء بحق الإِعطاء قد يكون بدر منهم.
وقرئ بالقصر، بمعنى أَنهم يفعلون ما فعلوا من العبادات، وقلوبهم خائفة من الله جل شأْنه ألَّا تكون على وجهها الكامل لشائبة من التهاون قد يُبعدها عن أن تقبل منهم.
وروى عن رسول الله - ﷺ - ما يشير إلى هذا المعنى، فقد أخرج أحمد والترمذى وابن ماجه والحاكم وصححه، وابن المنذر وابن جرير وجماعة: عن عائشة - رضى الله تعالى عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، قول الله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أهو الرجل يسرق ويزنى ويشرب الخمر، وهو مع ذلك يخاف الله تعالى؟ قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلى، وهو مع ذلك يخاف الله تعالى أَلَّا يَتَقَبَّل منه".
والتعبير بالمضارع في ﴿يُؤْتُونَ﴾ للدلالة على الاستمرار في العطاء، وبالماضى في: ﴿مَا آتَوْا﴾ للدلالة على تحققه. ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ أَي: وجلت قلوبهم خوفًا من أَن تُرَدَّ عليهم أَعمالهم لعدم الإحسان فيها لأنهم إِلى ربهم عائدون ومبعوثون يوم القيامة، فتنكشف لهم الحقائق، وتظهر حاجة العبد إلى عمل تام مقبول ينجيه يوم لا ينفع المرءَ إلاَّ ما قدمت يداه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (١).