مائة جلدة، وهو ما جاءَ في سورة النور، وهو خاص بمن لم يسبق له زواج منهما. (وثانيهما) أَن يرجما إِن سبق لهما الزواج، ويطلق على النوع الأَول من الزناة (غير محصن) وعلى الثاني (محصن) وسنبين أدلة الرجم حين الكلام عليه إن شاءَ الله تعالى.
والجلد في اللغة: ضرب الجِلْدِ، وفيه إِشارة إلى أَن من يقوم بعقاب الزانى لا يبالغ فيتجاوز الجلد إِلى الإِضرار باللحم، ويقول الآلوسى ما خلاصته: إِن الزانية والزانى يجلدان بسوط لا عقدة فيه ولا فرع له كما دلت عليه الأَخبار، والجلد بالسوط كان في عهد عمر رضى الله عنه، وبإِجماع الصحابة، وأَما قبله فكان تارة باليد، وتارة بالنعل، وتارة بالجريدة الرطبة وتارة بالعصا.. هكذا قال الآلوسى، وسُمِّي نحو الضرب باليد أَو النعل جلدًا، لما فيه من إصابة الجِلْد بما يؤلمه.
ومن العلماءِ من قال بنزع ثياب المجلود سوى إزاره، وإليه ذهب الحنفية والمالكية، ومنهم من قال: يبقى عليه قميص أو اثنان كالشافعى وأَحمد، ومنهم من قال: تبقى عليه ثيابه إِلا الفرو والمحشو (١)، وعن ابن مسعود: لا يحل في هذه الأمَّة تجريد من الثياب ولا مَدّ: هكذا نقل الآلوسى عن أُولئك الأَئمة (٢).
ثم قال: وينبغي أَن لا يكون الضرب مبرحًا، لأَن الإِهلاك غير مطلوب، ولهذا قالوا: إذا كان من وجب عليه الحد ضعيفًا فخيف عليه الهلاك يجلد جلدًا ضعيفًا يحتمله، كما قالوا: يُفَرَّق الضرب على أَعضاءَ الْمَحُدُودِ، لأَن جمعه في عضو قد يفسده، وربما يفضى إِلى الهلاك، وينبغى أَن يُتَّقى الوجه والمذاكير والرأْس والبطن والصدر: انتهى ملخصًا مما نقله الآلوسى عن الأَئمة.
وقد أَوجب الله تعالى أن يجدد كل من الزانية والزانى مائة جلدة، وهذا الحكم خاص بالبالغ العاقل الحر غير المُحْصَن، وهو الذي لم يتزوج منهما، أما العبيد والإِماءُ البالغون الذين لم يسبق لهم زواج فحد الزانى أَو الزانية منهما خمسون جلدة فقط، لقوله تعالى في الإِماءِ: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ (٣) والعبيد مثلهن، إِذ لا فرق بينهم وبينهن في الفاحشة، فليكن العقاب لهم كذلك.
(٢) ونقل القرطبى عن الجمهور وجوب أن لا يخرج الضارب يده من تحت إبطه.
(٣) سورة النساء، مِن الآية: ٢٥