النبي - ﷺ - مرارًا، قال: ثم سأل قومه، فقالوا: ما نعلم به بأسا، إلا أَنه أصاب شيئًا يرى أَنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال: فرجع إلى النبي - ﷺ - فأمرنا أن نرجمه، قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغَرْقَد - قال - فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال: فاشتد واشتَددْنا خَلْفَه حتى أتى عُرْض الحرة فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد الحرة... " الحديث (١).
فأنت ترى أن أصحاب النبي - ﷺ - رجموا الزانى المحصن في عهده - ﷺ - بالعظم وبالمدر؟ وهو قطع الطين اليابس - كما في القاموس، جمع مدرة بفتحات - ورجموه بالخزف - وهو قطع الفخار المكسور - كما رموه بجلاميد الحجارة حتى مات، فهذا يدل على أن المقصود برجمه قتله بشيءٍ جامد يفضي إِلى موته، فهل لنا أن نرجمه في عصرنا هذا بالرصاص، قياسا على ما فعله أصحاب النبي - ﷺ - في عهده، حيث لم يقتصروا في قتلهم ماعزا على جلاميد الحجارة، بل استعملوا العظم وسواه من كل جامد يفضى إلى القتل، والرصاص كذلك؟
وإِذا كان الرجم بالحجارة والعظم والخزف ونحوها أمرًا اقتضته الضرورة في عهده - ﷺ - قبل أن يخترع الرصاص، فهو اليوم ليس ضروريا بعد اختراعه، وقد يسىء إِلينا استعماله في العصر الذي نعيش فيه، حيث يحمل أَعداء الإسلام على التشهير بنا بسببه، هذه مسألة جديرة بالنظر ومحتاجة إِلى رأى المجتهدين للبت فيها والله الموفق. فإن قيل: إن الرمى بالحجارة يعطى المرجوم فرصة للهرب، لأنه يرمى واقفا من غير توثيق كما فعل بماعز، ، والهرب من الحد مرغوب فيه، أَما الرمى بالرصاص فإِنه يستلزم توثيقه وربطه ليصيبه، فالجواب أَن ماعزا لم يكن بحاجة إلى توثيقه وإمساكه فهو الذي أصر على إِقامة الحد عليه (٢)، على أن تركه بلا إِمساك ليس بواجب، فقد جاءَ في حديث الغامدية الذي مرت روايته عن مسلم، أن النبي لما أَمر برجمها بعد فطمها صبيها، حفروا لها حفرة إلى صدرها فرجمت، مع أنها جاءته معترفة طالبة إقامة الحد عليها، وأَمهلها النبي حتى
(٢) بل لقد جاء عند مسلم في إحدى رواياته، أن ماعزا لما أقر أربع مرات حفر له ثم أمر به ف